(تجريم الرأي المخالف) العوين والشحبي نموذجاً د. علي بن محمد الرباعي
|
يكاد يحتم علينا البعض، أن نسلم ونستسلم للرأي الواحد، والتوجه السائد، وأن نقتنع بما يعرضه سادة الفكر المسيس من رؤى، وما يبثون من أفكار، مهما تعارضت هذه أو تلك مع أبسط حقوقنا كأحياء وأحرار في الحياة، ألا وهو حقنا في التمتع بآرائنا، والصدع بوجهات نظرنا، والتعبير عن قناعاتنا دون ضغوط أو وصاية من أحد، وبرغم ضخامة ما ندفعه من ضريبة رفض الاسترضاء، إلا أننا على ثقة أنه لن ينالنا من إخوتنا المخالفين أكثر من التشكيك في عقيدتنا، وطالما أن هذا الأمر سائغ لهم شرعاً وديانة، فموعدنا معهم في يوم انقطاع الحجج، ولا ريب أن العقلاء من الخلق لا يحبون الحروب، كونها تخرج الإنسان عن طوره، وتحوله لكائن مفترس، وشرس، يجتهد في تحقيق النصر وإن كان وهمياً، ويتفانى في تدمير الآخر وتكفيره، وإن كان عند الله أزكى منه! ولذا وصف الخبراء الحرب (بالقذرة) وأقسى المخلوقات في حروبها أضعفها، ومن أبرز ملامح توفر القدرات، خفض الأصوات عند الحديث، فالمكتنز علماً وثقة، وفكراً وعقلاً، تجده أكثر الناس هدوءاً، وأمناً، بخلاف الفارغ، كما قال حمزاتوف (العربات الفارغة أكثر ضجيجاً من الممتلئة) ومن التعبيرات الشعبية في بعض بلداننا العربية (من غلبك بيده اغلبه بصوتك) ومن الملاحظ على مسيرتنا الأدبية خلال عقدين من الزمن، أن هناك من يصر على خلط الديني بالتديني، وتهييج مشاعر الخلق ضد كل ما يبشر بمشروع أو فكرة حضارية تنسجم ومعطيات العصر، لكنها لا تتماشى مع الرؤية (الدينسياسية) ومما آسف له أننا بصدد إطلاق مشروعنا الوطني الحواري مع الآخر، في وقت لازلنا نعاني فيه من عجزنا وفشلنا في تفهمنا لبعضنا، وإعذار المجتهد المخالف لرؤيتنا، خاصة حين يمتلك أدواته المؤهلة له في دعم ما يذهب إليه من رؤاه التجديدية، ولا ريب أن لسعة أفق الفرد دوراً مهماً في تشكيل شخصيته، ومن مظاهر الضعف الطاغية على ملامح بعض المهتمين بمصطلح (الإسلامي) احتماؤهم بالجماهير واستغلال مشاعر الناس وعواطفهم الدينية كمصدات لخدمة قضايا سياسية، وهذا كما أزعم نوع من الاحتلال الفكري، والاستعمار الذهني، بل والاغتصاب، أو الاستلاب العاطفي، الذي به يتحول الحي إلى أداة جامدة يحركها المريد وفق هواه، الذي يلغي به شخصية الإنسان الاعتبارية، ليغدو مسخاً، وتابعاً، لا يعد صدى لما يردده الشيخ، دون تفكر، ولا اعتبار، ولا تدبر، ولا قراءة لهذا الآخر المخالف إلا بمنظار (الوصي)، (الأبوي)! ولقد كان دعاتنا إلى وقت قريب يعيبون على الكنيسة منهجيتها التي كانت متبعة في عصر ما قبل الثورة عليها، فكان القساوسة يرددون على مريديهم، ومرتادي نواديهم (أطفئ مصباح عقلك، واعتقد وأنت أعمى) وبتأمل بسيط لمدلول هذه العبارات وأهدافها، سنجدها متداولة أسلوبياً ومطبقة عملياً في طرح وتناول قضايانا وإن بصورة مستنسخة غير معلنة. لقد حرم الإسلام الاحتكار، (والمحتكر ملعون) وهناك مع الأسف بعض من المتدينين يريد احتكار الدين في طائفة أو جماعة أو حزب! وربما لا تتم المجاهرة بهذا، وكوني أحد (التابعين) (المتأثرين) بطرح مرحلة سلفت فإني لازلت أحتفظ بصورة ذهنية لحركية كانت تجلد بسوط التبعية المطلقة العمياء، وتهدف فيما تهدف إلى تقسيم المجتمع ليصبح الوطن السعودي النموذجي، مبتسرا فيما يراه (متدينون) وما عداهم يصنف في دائرة الكفر أو الفسوق، أو العصيان، ومن العرض المثير الذي سمعته من أحد الأكاديميين الشرعيين، والمهتم جداً بالشأن السياسي، قوله: (لهذا البلد خصوصية نلتزم بها جميعاً، ومن لم يحترم خصوصيتنا فليبحث له عن وطن بديل)؟؟ أي والله بهذا النص، ولعلي أسأله من هنا عن مفهوم الخصوصية التي يريدنا أن نلتزم بها، ومساحتها، وأدبياتها، وهل هي من وسائل عودة الخلافة الراشدة!! وكأني به قد شرع في ممارسة السلطة قبل أن يتمكن منها، لقد تجاهل داعية المرحلة جراحات الوطن التي لن تندمل، والتي هي بحق ثمرة طبيعية لغراس مسبق، وأثر جلي من آثار الحرب على المجتمع طيلة عقدين من الزمن، نجح خلالها المنظرون وبقوة في تفخيخ أدمغة كثيرة فغدت قنابل موقوتة، آيلة للانفجار في وجه الحياة، والأحياء، ومنها ما تفجر، ومنها ما يخشى انفجاره لاحقاً خاصة إذا استمر هذا التناول الاستفزازي، وإنني وإن أسفت على التجاوزية التي مارسها عشاق ترويج المصطلحات الإسلامية إلا أن أسفي يتعاظم حين أرى انقياد بعض الرموز والمؤسسات الدينية الموثوق بها لهذا الفكر وتأييدها، وتجاوبها المعلن مع أصحابه من خلال كتابة مقدمات لكتبهم، أو مناقشة أطروحاتهم والتسليم المعلن لكل ما يصدر عنهم، ومباركتها لما يدمر الاستقرار المجتمعي تحت مظلة ذريعة أسطورية هي (حماية الدين)، علماً بأن بعض توجهات هؤلاء تصب في نهر التكفير وتؤجج نار التجزئة، والتقسيم، وتجنح بكل ما أوتيت من تأهيل نحو تدمير المجتمع، وفي هذا تطاول على خالقنا جل وعلا الذي تكفل بحفظ دينه، وإعلاء كلمته، كما أنه تجاوز على حقوق ولي الأمر الذي هو المسؤول الأول عن أمن المجتمع فكرياً، والمسؤول أيضاً عن محاسبة الخانقين له بدعوى الحب!! ولقد نجحت بعض رموز الصحوة في تملك العواطف، وحولت الدين إلى عباءة تمنحها لمن تشاء، وتخلعها عمن تشاء، وكل منا من الممكن أن يحكم عليه تحت طائلة غضب هؤلاء الإخوة، بردة، أو كفر، أو علمنة، لكونه لم يذعن لمبدأ السادة الأطهار. ولم يعد سراً إقرار علماء، وأدباء مشرقيين من أن مدرسة المصطلحات، مدرسة وافدة، ونحن هنا كمجتمع خضع لتحولات سريعة، وعاطفية، قبلنا الوافدات على علاتها، وسلمنا بها كما جاءت إلينا على أيدي رموز دينية وفدت لتغتني، فاغتنت وأفقرتنا!! ثم جاء الأسوأ حين بدأنا في تطبيقها بحرفيتها على مجتمع، عقيدته الأم هي الإسلام، ومنهجه القرآن والسنة، ولعلي أستعيد هنا ما تداولناه، ذات مساء وأخي خالد السيف في أن بعض المنظرين المعاصرين، يستطيع بما أوتي من مهارات أن يجعل من نفسه (الإسلام)، وأن يتحدث كملهم يأخذ عن الله!! وعليهم بقراءة المصنفات، التي لا يخجل مؤلفوها من تضمين (مفرداتهم) تعبيرات قطعية كقول أحدهم وهذا حكم الإسلام!! الذي هو في الأصل رأيه الفردي، فيختزل الدين في ذاته، ويتدرج من التوصيف إلى التصنيف، ثم إلى الحكم، ثم التنفيذ، وأنت تنظر، تتملكك الدهشة، وتعقد لسانك الحيرة، ولا تملك المساحة المناسبة لتمد رجليك شأن أبي حنيفة، وأتصور أن جهلنا المطبق (بالمسيسين) من علمائنا هو الذي أوردنا المهالك، حين الإفراط أو حين التفريط!! ومن خلال قراءتي لما طرحه الدكتور محمد العوين في كتابه كلمات، وما قدمه الأستاذ إبراهيم شحبي، من تصورات في هذا الشأن، فسأحكم عليهما (تجاوزاً) بأنهما لن ينتصرا في معركة كهذه؟ لأسباب منها عدم امتلاكهما القدرة على الحيل التعبيرية التي تتحول إلى سهام في إصابة المقاصد، ثم لما يتمتع به الأستاذان من خلق كريم، وما ينعمان به من أدب جم، ثم وهذا الأخطر أن جماعة المصطلحات قد أدخلوهم في كهف التصنيف!! ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل استعادة ثقة الجماهير إلا بعد إعلان التوبة النصوح مما اجترحوا من مخالفة المنهج!! والمنهج هذا ككتاب (الجفر) لا يطلع عليه كل أحد، وإن كنت في زمن العواطف تمكنت من حفظ بعض مفرداته مما يجعلني أتكلم عن معرفة ووعي كاملين بما يريده هؤلاء! ولعلنا اليوم بحاجة إلى صحوة عقلية مستبصرة، تقوم على دعائم مدرسة فكرية جديدة، كتلك المدرسة التي تتلمذ فيها صلاح الدين الأيوبي على كتب شيخه الإمام الغزالي، وأخرى كالتي تربى فيها المعتصم على نتاج بيت الحكمة الذي أسسه المأمون، وما أستشعره أننا نعيش مرحلة مخاض، سنكون بعده أقرب إلى الصواب لأن العقول اليوم تأخذ دورها بوضوح ولن تنطلي المستوردات الحزبية إلا على الدراويش، ولأننا نحاول أن نتعلم من تجارب الآخرين فإن للسيد محمد الجواهري تجربته العراكية التي عاشها وعايشها وكان من نتاجها:
تقحمت الوغى وتقحمتني | وخضت عجاجها حرباً سجالا | فكان أجلّ من قارعت خصم | بنبل يراعه ربح القتالا | ولم أر كالخصومة من محك | يبين لك الرجولة والرجالا |
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|