عبد السلام العجيلي و(بصمة الساخرين) سعد بن عايض العتيبي
|
ما زال الروائي الكبير الدكتور عبد السلام العجيلي متوهجاً ولم يفقد بريقه على الرغم من مرور 70 عاماً على حمله القلم، وما زالت مؤلفاته تتوالى في الصدور حتى بلغت 44 كتاباً، ولعل آخرها كتابه الجديد (جيش الإنقاذ صور منه كلمات عنه) الصادر عن دار كلمات بحلب، الطبعة الأولى 1426هـ 2005م وقريباً سيصدر الجزء الأول من أعماله الكاملة ضمن منشورات دار رياض الريس ببيروت لتكون في متناول الباحثين والدارسين. إضافة إلى صدور ديوانه الثاني (أهواء) المتضمن قصائده التي نظمها بعد صدور ديوانه الأول (الليالي والنجوم) الصادر عن دار الأديب عام 1951. واحتفظ بها لنفسه ولم يقرأها إلا على القلة من أصدقائه ومعارفه.
من الطريف أن الأستاذ عبد العزيز الرفاعي رحمه الله سبق أن وجه رسالة إلى صديقه الدكتور العجيلي عبر جريدة (الحياة) إثر تلقيه نسخة من كتاب (حفنة من الذكريات) يقول فيها: (شيء واحد ما أحببت له العلنية هو إنني كنتُ أود أن أسأل الصديق العجيلي: هل مارس السحر قط ضمن ممارساته الكثيرة المتنوعة؟ إذ خيل إليَّ انه لم يبق من مواهبه تبارك الله إلا أن يكون ضم إليها العلم بالسحر والتنجيم!)(1).
في هذا المقال لن أتحدث عن الدكتور العجيلي الشاعر، أو القاص، أو الروائي أو غير ذلك من الأجناس الأدبية التي مارسها وأبدع فيها، وإنما سأتحدث بإيجاز عن جانب مجهول في حياة العجيلي وهو انضمامه إلى (عصبة الساخرين) التي تأسست في أواخر الأربعينيات الميلادية وبالتحديد في تشرين الأول عام 1948. وكانت مكونة من اثني عشر عضواً هم على النحو التالي: عبد السلام العجيلي رئيساً للوزراء، سعيد الجزائري وزيراً للداخلية أحمد عسه وزيراً للخارجية، عباس الحامض وزيراً للمالية، ينسب الاختيار وزيراً للعدلية، أحمد علوش وزيراً للدفاع، سعيد القضماني وزيراً للمعارف، عبد الغني العطري وزيراً للزراعة، مواهب الكيالي وزيراً للصحة، ممتاز الركابي وزيراً للشؤون الاجتماعية، عبد الرحمن ابو قوس وزيراً للأشغال العامة، حسيب الكيالي وزيراً للاقتصاد. والملاحظ ان معظم الذين أشاروا إلى (عصبة الساخرين) قد وقعوا في بعض الأخطاء، أو ان معلوماتهم كانت تنقصها الدقة، بل إن بعضهم ذهب إلى ان (عصبة الساخرين) تأسست في الثلاثينيات!!
انضم الدكتور العجيلي إلى (عصبة الساخرين) في بداية تأسيسها، وهو الذي اختار لها هذا الاسم. يقول العجيلي عن ذكرياته عن تلك الحقبة (عصبة الساخرين) يعود أمرها إلى 45 سنة كنتُ في ذلك الوقت عضواً في مجلس النواب ومن أصغر الأعضاء سناً، وكانت تربطني قبل أن آتي إلى دمشق كنائب في المجلس بعدد من الأدباء صلات وثيقة ترجع إلى أيام دراستي الطب في دمشق، وكنتُ التقي بهؤلاء الأدباء الشباب من سني في مقهى البرازيل بصورة خاصة، وفي ذلك اليوم فكر بعضهم وأغلبهم من الصحفيين في إنشاء جمعية أدبية قلت: نسميها (عصبة الساخرين) باعتبار اننا كنا نجتمع دوماً على الضحك والانتقادات الساخرة للسياسيين والكتاب) (2).
كان الهدف من إنشاء (عصبة الساخرين) نشر إنتاج أعضائها في الدوريات مع ذكر انتسابهم إليها. وكان معظم الأعضاء يكتبون المقالات الضاحكة، وينظمون الأشعار الساخرة ومن ذلك قصيدة ساخرة للأستاذ حسيب كيالي (1921 1993) قالها في أحد النواب تقول بعض أبياتها:
أيهذا النائب الشهم الذي يدعى فلانا
لا أسميك فقد أطرح في السجن زمانا
هات خبرنّي لماذا حين تأتي البرلمانا
يسقط الرأس على الصدر وتغفو يا أخانا؟
قال هذا مبدأ يبعث في النفس الأمانا
نحن لا نخطب في المجلس لكن فخرانا
ومن أسفٍ ان (عصبة الساخرين) لم تعمر طويلاً لكنها أحدثت دوياً في الوسط الثقافي، وظلت تجاهد ببسالة في ميدان الصحافة والأدب حتى خرّت صريعة وهي في عمر الورد. وعن أسباب توقفها يقول الأستاذ عبد الغني العطري أحد أبرز اعضائها (كان عمر العصبة قصيراً كعمر الورد، إذ إن نشاط لولب العصبة، المرحوم سعيد الجزائري، فتر وبرد وأصيب بالصقيع، بعد أن بلغ درجة الغليان في فترة التأسيس. فقد كان في المرحلة الأولى يحث الأعضاء على النتاج والكتابة ليل نهار) (3).
أمّا الدكتور العجيلي فهو يرى ان السنوات القليلة التي عاشتها العصبة كانت حافلة بالنتاج الساخر ومثيرة للجدل، ما لبثت أن تبددت تحت تبدل الظروف والأحوال، فتوقفت (عصبة الساخرين) عن النشاط) (4).
بقي أن أقول ان جميع أعضاء (عصبة الساخرين) الاثني عشر قد انتقلوا إلى الرفيق الأعلى، ولم يبق منهم سوى أديبنا الكبير الدكتور عبد السلام العجيلي أمد الله في عمره المبارك، ونفعنا بعلمه الغزير، وأدبه الوفير، وهو الآن في السابعة والثمانين من عمره المديد بإذن الله.
وفي العامين الأخيرين تقاعد من عمله الطبي بعد أن ظل يمارس مهنة الطب لمدة ثمانية وخمسين عاماً منذ تخرجه في كلية الطب عام 1945م. وذلك بسبب تقدمه في السن، وتعرضه لطائفة من الوعكات التي أنهكته وحدت من أسفاره وتحركاته بل حرمته من هوايته الأثيرة القراءة. يقول في إحدى رسائله الأخيرة (أرجو ألا يزعجك هذا الكلام مني، ولكن هذا هو الواقع. ولا سيما أن صحتي لم تعد على ما يرام فالوعكات تتابع عليَّ. وهذا شيء طبيعي عند إنسان أصبح في السابعة والثمانين من عمره، ولو حسبت عمري بالتاريخ القمري كما يحسب في المملكة فأنا اليوم في التسعين) (5).
الهوامش:
(1) جريدة الحياة (لندن) ع 10038، 25 تموز (يوليو) 1990م.
(2) من حوار له مع مجلة الحوادث، ع 1942م، 2111994م، ص 55
(3) عبد الغني العطري، دفاع عن الضحك، ط1، دمشق: دار البشائر، 1414هـ 1993م، ص 177
(4) من حوار له مع مجلة الحرس الوطني، ع (274، 275) صفر ربيع الأول 1426هـ مارس إبريل 2005م، ص 103
(5) من رسالة خاصة مؤرخة في 172 2005م.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|