العمل الاجتماعي بين الحبس والهدف *محمد المنصور الشقحاء
|
في زيارة مجاملة لمن أعرف في مكتبة الملك فهد الوطنية منذ أيام خرجت فيها بغنيمة من إصدارات المكتبة الجديدة، ومن بينها كتاب (العمل الاجتماعي التطوعي مع التركيز على العمل التطوعي في المملكة العربية السعودية) تأليف الأستاذ عبدالله العلي النعيم، ذكر فيه (ونحن هنا نقصد بالعمل الاجتماعي التطوعي ذلك النشاط الاجتماعي والاقتصادي الذي يقوم به الأفراد أو الممثلون في الهيئات والمؤسسات والتجمعات الأهلية ذات النفع العام، دون عائد مادي مباشر للقائمين عليه، وذلك بهدف التقليل من حجم المشكلات والإسهام في حلها، سواء أكان ذلك بالمال أو الجهد). ومعه تذكرت مقال صحفي ناقش (نشأة وتطور مؤسسات وجمعيات وهيئات المجتمع المدني في المملكة العربية السعودية) تأليف الدكتور يوسف بن إبراهيم السلوم (جريدة الجزيرة - العدد 11978 تاريخ 9-6-1426هـ). وكانت دارة الملك عبدالعزيز عام 1425هـ عنيت بإصدار كتاب بعنوان (الرعاية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية.. النشأة والواقع) للدكتور عبدالله بن ناصر السدحان، درس فيه دور وزارة الشؤون الاجتماعية في مجال الرعاية الاجتماعية.
ومع هذا الكم من الحديث عن العمل الاجتماعي المتباين لم يقف الباحث الأستاذ عبدالله العلي النعيم على أسباب الشلل الذي واكب هذه المؤسسات الأهلية الخدمية المساعدة، وتحولها مما خطط لها كما نراه في قطاع كبير من مؤسسات المجتمع الخيري الأهلي إلى وعاء توعية وإرشاد نظري أكثر منه دعما ماديا اجتماعيا، بينما هي (جملة من الجهد والعلاقات والخدمات والبرامج الرسمية وغير الرسمية التي تستهدف مساعدة وإعانة من يعجز أو عجز عن إشباع حاجاته الفردية للنمو المتزن المتكامل). والقائم اليوم تدخل دعاة التأصيل الإسلامي في أهداف الخدمة الاجتماعية؛ ما عطل العمل التطوعي في الداخل الذي كان قائماً فخلق نوعا من العمل المظهري الجديد الذي قلص دور الجمعيات الأهلية الخيرية المساندة نسائية كانت أو برا، كما لم يتم تفعيل دور الجمعيات المتخصصة ذات النظام العام واللوائح الداخلية القائمة على الفعل التطوعي فانحصر نشاطها بين الأعضاء المؤسسين فانتفى النفع العام الذي يعتبر أهم الأهداف. يقول الأستاذ عبدالله العلي النعيم (ولكن للأسف غالبية الجمعيات الخيرية التطوعية السعودية، مثل الكثير من الجهات الحكومية، ليست سوى مراكز لتوزيع الصدقات. والنتيجة المتوقعة لذلك تتفق مع المثل التقليدي الذي يقول: إن أنت أطعمت الفقير مراراً أصبح متسولاً. ولكن ينبغي أن يتم تدريبه على كيفية الكسب وكيف يكون مواطناً نافعاً) ص 178. وهذا مع تقديري خلط غريب وكان الأجدر التفريق بين:
1- الجمعيات النسائية الخيرية: التي هي مراكز خدمة اجتماعية تقدم المساعدة للأسر الفقيرة وتدرب المرأة على عمل يكفل حاجتها.
2- المؤسسة الخيرية الخاصة: القائمة على دعم شخصي يقيم صاحبها مكتبا خاصا من خلاله يقدم المعونة المالية للمحتاجين، وكثيراً ما تصل هذه الهبات إلى حاشية الداعم.
3- جمعيات البر: وهذه تقام من خلال أعضاء مؤسسين، وإذا قامت انضم إليها أعضاء جدد هدفهم المساعدة المالية للمحتاجين، وتقوم ميزانيتها على دعم الأعضاء وتبرعات الآخرين، ولها مجلس إدارة يشكل عبر الجمعية العمومية.
4- الجمعيات التعاونية: تقوم على أكتاف فئة من أفراد المجتمع لتنمية قدراتهم وحماية تخصصهم.
5- الجمعيات التخصصية: مثل مشروع جمعية الكُتّاب والأدباء، وهيئة الصحفيين، والغرف التجارية الصناعية.
وهذه وهي تقدم العون المادي والمعنوي نابعة من المجتمع المدني الأهلي بشكل أوضح، بخلاف الدور الحكومي المتمثل في وزارة الشؤون الاجتماعية، حيث تقوم الدولة مشكورة بمنح إعانات مالية لفئة معينة من الأفراد والأسر ممن لا دخل ثابتا لهم يعينهم على مطالب الحياة. والعمل التطوعي عمل إنساني منذ عمّر الإنسان الأرض، وتجربتنا مثالية في هذا المجال، ولكن تسابُق الجميع مؤخراً في تفتيت القائم وتجزئته؛ ولّد وفرة الكم على حساب الفعل، وبالتالي توقف الدعم الأهلي المعنوي والمادي.
وهذا جاء من بدعة جمع التبرعات رسمياً للمعونات الخارجية على حساب الداخل، وحوّل العمل التطوعي إلى مكاسب اجتماعية أكثر منه فعل خير يؤجر فاعله، ومن هنا فقدنا المفهوم الحقيقي للمجتمع المدني الذي هو المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال لتحقيق أغراض متعددة بشكل طوعي وتطوعي لتقديم خدمة إنسانية.
لقد قدم الأستاذ عبدالله العلي النعيم عرضا غير دقيق للعمل الاجتماعي التطوعي، بينما قدم الدكتور عبدالله بن ناصر السدحان تقويما علميا لدور الدولة في الرعاية الاجتماعية، وما نحن بصدده في هذه المقالة التوقف عن إخراج الجمعيات الأهلية من مأزق التنظير المعتسف الذي قيد دورها المهم داخل المجتمع في المدن والقرى وفق أهداف التأسيس وإعادة الاعتبار للأعضاء بتفعيل النظام الذي بموجبه تم الترخيص لها بممارسة نشاطها حتى لا يتوقف العمل التطوعي الذي انسحب بسبب خلل التساوي في المسؤولية بين الأعضاء؛ إذ تميل قواعد العمل في الجمعيات التطوعية إلى الأخذ بمبدأ المساواة.
وهنا تساؤل يقلقني: هل ثقافتنا العامة اليوم لا تحتفي بالعمل التطوعي الجماعي، بينما كانت ثقافتنا منذ نصف قرن حافلة بمعطيات العمل التطوعي فتشكلت الجمعيات النسائية الخيرية، وجمعيات البر، والجمعيات التعاونية، وكانت مؤثرة بخلاف اليوم الذي معه تكاسلنا عن فعل الخير ففقدنا إنسانيتنا في خضم صراع المصالح؟ فهل نحن نمر بمرحلة انتقالية مجهولة الهوية، نقدر أن نقول إنها صراعات بين المجتمع المدني بعضه بالبعض الآخر تحتاج إلى مرجعية قانونية معها تتدخل الدولة؟.. الأسئلة كثيرة ومزعجة.
من كل ما سبق نلاحظ أن الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية والتكتلات الاقتصادية والمتخصصة القائمة فعاليات أهلية لخدمة منسوبيها ولم ترتقِ في يوم من الأيام إلى حماية نظامها والدفاع عن حقوقها الخاصة، فما بالك بحقوق الناس ومرتكزات الوطن التي هي بحاجة إلى مؤسسات مجتمع مدني تدافع عن الحقوق وتحمي الأنظمة الحكومية من الاختراق؛ إذ من حقها طرح الأسئلة والبحث عن إجابة حتى نلخص المطالبة باحترام الحقوق والتنبيه إلى الأخطار التي تحدق بنا وما يتم من إشاعة الخوف بمظهر المتاريس القائمة أمام الإدارات الحكومية وبعض من المنشآت الأخرى، وارتباك سوق المال (الأسهم) بسبب تزييف مناشط الشركات لخداع المتداولين، لبقاء سلطة الدولة الراعي والأمن كمؤسسة أهلية تفرض شروطها في زمن متغير يجد قلة من المواطنين النفاذ منه على حساب المجموعة وكرامة الوطن.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|