أديب..ظلمه معاصروه عبدالعزيز الربيع *محمد صالح البلهيشي
|
قبل أربعين عاماً أي مع بدايات شهر المحرم 1387هـ وعلى صفحات جريدة المدينة المنورة كتب الأستاذ عبدالعزيز الربيع تحت هذا العنوان: (أديب.. ظلمه معاصروه) وعلى مدى أربع حلقات مقالاته التي استعرض فيها شخصية الأديب الكبير الدكتور زكي مبارك أو (الدكاترة) على الأصح لأنه كان يحمل أربع شهادات للدكتوراه.. يرحمه الله..
وعند استعراضي لما كتب الأستاذ عبدالعزيز الربيع عن الدكتور زكي مبارك وما لحقه من ظلم وتجاهل معاصريه رغم رسوخ قدمه في الأدب على اختلاف مستوياته في حياته وبعد مماته ورغم حضوره وعلو صوته وخوف الآخرين منه لقوته وعمق حجته واعتزازه بنفسه وبأدبه إلا أنه كانت توضع في طريقه الأشواك من معاصريه الكبار كطه حسين والعقاد والزيات وغيرهم غيرة منه أو تحييداً لأفكاره الإسلامية التي يقاوم من شأنها كل التيارات المعادية للقيم والأخلاق والأصالة.
قرأت ما كتب الأديب الأستاذ عبدالعزيز عن ذلك الرجل العملاق بكل ما تعني هذه الكلمة، من معنى فوجدت أن الظلم الذي تتبع الربيع مراحله في حياة د. زكي مبارك قد نال منه الأستاذ عبدالعزيز الأديب والناقد والمثقف والمربي الفاضل الشيء الكثير في الوسط الثقافي والأدبي خاصة بعد مماته ولذلك رأيت أن أستعير ذلك العنوان (أديب.. ظلمه معاصروه) من كاتبه الأول (عبدالعزيز الربيع) لأتحدث عنه ولأستعرض بعض ما لاقاه يرحمه الله من ظلم وتجاهل من مثقفي عصره تذكيراً به وتبياناً لمكانته في دنيا الثقافة وساحة المعرفة فأقول:
لقد شرفت بجمع وإعداد بعض تراث الأديب الكبير الأستاذ عبدالعزيز الربيع يرحمه الله أدباً ونقداً وسيرة وتراثاً وشعراً وتربية ولدي الكثير عن ذلك الرجل الذي كان ملء السمع والبصر.. وإنني أؤكد من منظور اطلاعي على تراثه الأدبي عموماً وتراثه النقدي على وجه الخصوص بأنه يقف في مقدمة صفوف النقاد في بلادنا. فهو يرحمه الله ناقد أدبي واسع الاطلاع امتاز نقده بالجدية والتكامل وهو أديب ضليع في باب النقد الأدبي بنزاهة وصدق يستقطب نقده لأي عمل أدبي جميع الاتجاهات والزوايا الفنية ويعطي للأثر الأدبي نكهته ولونه وملامحه العامة ولعل من يطلع على كتابه (مناقشات.. ومناوشات) يدرك ذلك ويدحض كل قول يخالفه.
إن ذلك الرجل العملاق في الثقافة والأدب والتربية قد ناله ظلم كثير من المثقفين والأدباء والنقاد وقوبل بجحود ظالم لثقافته وأدبه لجهل بعضهم به وتجاهل آخرين لأسباب كثيرة.. ونسي آخرون أن الربيع كان أحد النقاد الذين يشار إليهم بالبنان، وأكثر مقالاته النقدية حملتها صفحات الصحف والمجلات السعودية خلال العقد الثامن والتاسع من القرن الماضي ويصعب جمع شتاتها وقد قمت بجهد مقل لمحاولة جمع تراث ذلك الرجل فصدر له بعد وفاته كتب: (مناقشات ومناوشات وكتب ومؤلفون) وهما يحملان الكثير من الآراء النقدية التي تبرز شيئاً من نقده وكذلك صدر له بعد وفاته كتب (شوقيات وشوكيات ومقالات وتعليقات ونظرات تربوية) وهناك كتاب سادس قمت بجمع مادته تحت عنوان: (نص.. لم يكتمل) وهذا لم يطبع بعد إضافة إلى أنه صدر له في حياته كتاب (ذكريات طفل وديع) وكتاب: (رعاية الشباب في الإسلام).
ونحن هنا لن نتعرض لاتجاهات كتاباته وثقافته وجهوده التربوية بقدر ما نؤكد على التراث النقدي لعبدالعزيز الربيع وأقرب ما أشير إليه في هذا الصدد نقده ودراسته المطولة لديوان (قدر.. ورجل) للشاعر الكبير المرحوم الأستاذ محمد حسن فقي التي استغرقت ربع الديوان تقريباً ودراسته ونقده لديوان (همسات قلب) للشاعر والكاتب المرحوم الأستاذ محمد المجذوب وكذلك ما كتبه عن الوحدة الإسلامية ومقوماتها في شعر شوقي.. وما سجله عن ديوان (في موكب الأبطال) للشاعر المرحوم اللواء علي حسين عويضة.. كل ذلك وغيره يؤكد ثبوت قدم الربيع في مجال النقد الأدبي وعلو قامته في هذا الباب وأضيف إلى ذلك ما قرأته عن الجانب النقدي في أدب الربيع من بعض معاصريه العارفين لقدره والمطلعين على ثقافته الواسعة وعشقه للنقد وضلوعه فيه.
قال عنه الأديب الكبير الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي يرحمه الله: (لعل أعظم ما خسر الأدب في ساحتنا.. هو أدبه الناقد فإن النقد مع أدب النقد قلما تهيأ له هنا قلم متزن نزيه.. ولقد كان قلم الأستاذ عبدالعزيز الربيع في مقدمة تلك الأقلام القليلة.. بل تلك الأقلام النادرة.. قد تتجلى حدته في نقاشه الأدبي.. وقد يعنف أحياناً في النقد حينما يشعر أن خصمه عنيد لا يرتدع إلا بالأسلوب الحاد.. ولكنه مع ذلك يلتزم بأدب النقد ويحرص على الجانب الموضوعي والمنهجي.. فلا تذهب به عاطفته بعيداً.. خاض الربيع معارك نقدية كثيرة ولكنه قلما أفلت منه زمام الالتزام بموضوعية النقد ومنهجية الحوار وقد شهد له الوسط الأدبي في المملكة بنزاهة النقد..).
وقال عنه الأستاذ عثمان حافظ يرحمه الله: (كان عبدالعزيز الربيع ناقداً فذاً.. بعيد كل البعد عن الإساءة.. عف القلم واللسان والبنان.. وكان في نقده دقيق الملاحظة متزناً.. كان موضوعياً لا يتعرض للشخصيات ولا يستعمل الحرج والتأنيب..).
وقال الأستاذ فاروق صالح باسلامة: (كان الربيع أديباً ناقداً غيوراً على التراث للأمة الإسلامية.. ولعل الظاهرة الخفية التي اتسمت بها كتاباته النقدية هي إسلامية الرأي والفكرة الأدبية ولو من بعيد حتى ليخيل للقراء أن الربيع أديب كأي أديب آخر لا يهتم إلا بنواحي الفن في الشعر والنثر.. وبالرغم من أن هذه المقولة قد تعوزها البراهين فإني أذكر أن الربيع كتب سلسلة مقالات عن (داوود باشا المفترى عليه) وكان مثار النقد كلمة كتبها الأستاذ محمد حسن عواد يرحمه الله في جريدة البلاد عن (داوود باشا) ولغيرة الربيع الإسلامية دافع عن ذلك الرجل وأبان في نقد متزن منزلته ودوره الإسلامي. كان رحمه الله لطيفاً بارعاً في نقده وله أياد بيضاء وباع طويل على حركة الأدب العربي في السعودية..).
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|