أعر اف امرأة الياسمين!! محمد جبر الحربي
|
هي امرأةٌ من ياسمين، وهو رجلٌ من نزف التعب والسنين، وعزف القصائد والمنشدين المحترقين بنار الحقيقة ونورها.
قابلها بعيداً هناك على ضفة الحلم حيث تهمس الأشجار، وتستجيب العصافير والأضواء المتمايلة، ومصابيح السياب الرجراجة على صفحة النهر.
هو يشعر أنه قابلها ويهجس باسمها ويتحدث معها كأنها معه تحت حنو نظراته، حتى أنه كلما حدثها فاحت رائحة الياسمين حتى البيوت المجاورة، وانتشت الأرض بتساقط المطر الذي يبلل كل شيء إلا صورتها وثيابها، ويطغى على كل شيء إلا صوتها.
هي امرأة الياسمين التي يعرف موعد صحوها، وكيف تطبق أجفانها على الحلم ساعة النوم.. وأحلامها حدائق رومانية، وبلابل يمانية، ونهر بهجةٍ، وشلال ضوء. أحلامها جنة عاشق، وخيال شاعر، وجنون ريشة، وصفاء لون. وهي بثيابها البيضاء اكتمالٌ وحقيقةٌ وتجسدُ جمالٍ على غير مثال.
وصحوها ابتسامة نسمة، وغناء شمس، وفورة مياه، ودورة حياة من فواكه وغيوم.
يزوره عطرها الهامسُ كل صباح مع سوادِ قهوته، وبياض سريرته، وصدره المتعطش لهواء الحياة البديلة الجديدة الجميلة كما ينشدها في كتاباته وشعره وأمله منذ سنين. تلك الحياة التي يَنشُدها ويُنشِدها بسيطةً كبساطة الناسِ الطيبين، وغنيّةً كأحلام الفقراءِ، وكريمة ساميةً كنبل الحلماء والحكماء والقادرين دون سطوةٍ، والباذلين دون ابتذال.
يتنفسها بعمقٍ خليطاً من هواءٍ الجبالِ، ونسمات الأنهار، وعطر الياسمين فتكتظ المشاعر، وتنهمر الصورُ، وتتشكل اللغةُ على لسانه بوحاً جديداً فريداً، وغناءً حميماً رخيماً فيدني أوراقه التي يعدها لمواعيدها، ليمطرَ صحوها كما لا يمطر السحاب، صيّباً غدَقاً حتى تصبح الروحُ غير الروحِ، والأوراقُ غير الأوراقِ، لتنبت مع تسارعِ أنفاسهِ من كل لون وزوجٍ بهيج.
يدعوها لتجلسَ في عينيهِ وجنانه، وتتكئ على حنانِه. ويقرأ لها لوحة النور والحياة، وقصيدة الحب المعتّق، وأسطورة الإنسان والحلم، أسطورة الشقاء والسعادة. يقرأ لها حزنه النبيل، وهمّه الثقيل. ويقرأ لها توْقهُ وشوقهُ، آلامهُ وآماله.
يرفعُ رأسه إلى عليائها فيرى أجمل دمعٍ من أجمل عينين على أجملٍ خدين.
لم تكن تعرفُ أنه بهذا العمق، وأنها بهذا العمق لديه.
لم تكن تعرفُ أنها تأخذ معه قيمة الأرض والوطن والقضية وأحلام الناس البسطاء.
كانت تعرفُ بأنها الياسمين.
(كانت تتجولُ في المرآةِ) بعطر الياسمين.
وكانت تختال على الدنيا كونها امرأة الياسمين.
لكنها هذا الصباح شعرتْ بأنها قصيدة الياسمين.
تلك التي لا تذبلُ، ولا تُقطفُ، ولا تشيخ.
عرفت أنها أكثر من امرأة، وأجمل وأنقى من ياسمينة، وأبقى وأرقى من ومضة عشق مجنون.
هي امرأةُ الياسمين، وهو شاعر حزين.
التقيا على ضفة الحلمِ فتحررا من أسر الحزنِ والياسمين.
غدتْ على شفتيه قصيدة، وأغنية فرحٍ يرددها الناس على مر السنين.
mjharbi@hotmail.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|