قصص قصيرة جداً الغيب..!! خالد أحمد اليوسف
|
سأل أمه عن مواصفاتها، مقدرتها في التعامل مع زوايا البيت، وألح بالسؤال حين انفرد بأخته، تغلغل في تكوين شخصيتها، مواهبها التي تدمن القيام بها، أقرب الصفات التي تشعر أنها تجمعها بها، فقد كانت أخته المثل الأعلى له.
ذات مساء مختلف كانت تقوم بزيارتهم، اختلس النظر إليها، تأكدت رغبته لها بعد طول تأمل، وتعمق في كل الأحاديث التي سمعها وما يراه أمامه، تعلق بها ووجد الهيام ضالته فيه، فكان متربعا على وجدانه وقلبه وعقله، شد الرحيل مكونا حياة مستقبلية لهما في خياله، وتنقل برفقتها إلى كل مكان، انتجع على شواطئ لا حدود لها، وتلذذ بمذاق حبها، حين الصحو اختلى بأمه ملحا عليها لطلب يدها، ترددت كثيرا أمام إصراره، فقد تذكرت أنها ألقمتها ثديها مثلما ألقمته بجلسات لا تحصيها!!.
23 جمادى 1427هـ 19 يونيو 2006
أطراف..!
يمسك بها بشدة وحرص، عيناه ما زالتا في شرودهما القديم، لم يطمئن لمكان جلوسه، مما زاده خوفا عليها، أقبل عليه الطبيب مستفهما.
* هل أوراقك كاملة؟
قدمها له بصمت، استلمها وتفحصها ورقة ورقة بدقة، مرت هنيهة ثم أشار إلى غرفة قريبة وطلب منه الدخول، أجلسه على كرسي يتحول إلى سرير، طلب منه الاسترخاء بهدوء، حاول الطبيب طمأنته كي يأخذها منه ويبدأ بتركيبها في مكانها، ربت على كتفه، مد يده نحوها وامسك بها، تمعنها بعد أن قلبها يمنة ويسرة.
* أعتقد أنها عالية التكلفة والتقنية، لكن ستخدمك كثيرا!!
لم يجبه فما زالت عيناه في شرودهما القديم، انشغل الطبيب في تجهيزها، وانهمكت ذاكرته تحفر بعيدا مع عينيه الشاردتين، استعان الطبيب بعد اتصالات متواصلة بأطباء آخرين، اجتمعوا حوله للمرة الخامسة، استغرق كل واحد منهم بتخصصه، كانت الدهشة متشبثة به، وحالة الانتظار مرتسمة على ملامحه، التفتوا جميعا إليه، جاءه الصوت.
* صراحة وبعد عدة محاولات وتجارب، وجدنا أن ذراعك هذه لن تتطابق معك، وتحتاج إلى إعادة تأهيل، كي يتطابق برامجها مع مقدرتك، نأمل أن تثق بنفسك قبل ذلك!!
امتدت يده الأخرى إلى كتفه القاصرة، وراحت تمسح عليها ببكاء يتجدد دوما، فلم يقطع شرود بصره، حيث كان متوقفا عند حادث الطفولة وقد انتزع ذراعه كاملة!!.
2 جمادى الثانية 1427هـ 28 يونيو 2006
خطى..!!
ظل وقتا طويلا وهو يحاول فتح بابه، كان الرباط قويا والمفاتيح لا حصر لها، وكان الباب صامدا لا أمل لزعزعته عن مكانه، محاولاته لفك القيد لا رجاء فيها، تأكد حرصه للوصول إلى مفتاح الباب أكثر من قبل، حينما انفرج الباب بعد طول عناء اصطدمت عيناه بباب آخر أكبر من سابقه وقد أغلق بصرامة!!.
16 جمادى الأولى 1427هـ 12يونيو 2006
إدراك..!!
تناثرت أوراقه من ملف تآكلت أطرافه وسط الصالة الواسعة، حاول جمعها بسرعة رغم شتاتها، كان الارتباك مصاحبا له منذ وطئت يمناه الصالة المزدحمة، لم يعره أحد اهتماما فقد اعتاد الجميع حضوره الناشز، اقترب منهم، اندس بينهم وفعل كما يفعلون، حدق في الشاشات ونشر الأوراق على أقرب طاولة، يعلو صوته ويجادل كغيره من الجالسين، وللونين الأحمر والأخضر إيقاع قوي يهتز الحضور له، يلتفت أحدهم إليه متبرما من رائحته وصوته الصاخب.
* يا الله !!، أما زلت تحضر هنا وتساب وتجادل!!؟
ويأتيه صوت آخر أكثر ألما...
* يا أخي.. شهاداتك وسنداتك انتهت صلاحيتها؟؟
يكفي أذى لنا، ابحث لك عن مكان يؤويك.. أو عن باب آخر للرزق!!
الحيرة ترتسم على خطوط وجهه، تشعل أوجاعه الساكنة، تلتمس ما تبقى من وعيه، فقد نحرت الأسهم الخاسرة تكوينه، أبقت عليه جسدا دون اتزان أو إدراك، وذهب عقله مع ما ذهب من ماله!!.
5 جمادى الآخرة 1427هـ 1 يولية 2006
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|