مجالس الأحساء في الميزان
|
كثرت الصالونات والمجالس العلمية والأدبية في الأحساء، وهذا بلا شك يبعث السرور في النفس والغبطة، وقد تنفس الصعداء بعد ركود طويل طغت المادة فيه على المجتمع، وانبعثت هذه الروح من مرقدها لأجل محتوم، وحمد كل من فتح داره ومجلسه، وأثقلت كاهله أعباء لا يطيق لها حملا وبذل من وقته وجهده الكثير الكثير حتى أصبحت الأحساء ترفل بمجالس الأدب، وتضيء مصابيح العلم في عتمة الجهل البهيم لتفتح صفحة نهارها طويلا لا ينجلي إلا إلى ميعاد، وإن كان ليل فهو كليل المعتصم في عمورية. وليست هذا المجالس وليدة اليوم، بل هي ركاز قديم، داوم عليه الأبناء من إرث آبائهم وأجدادهم، وإن دل على شيء فإنما يدل على النفس التي جبلت على حب العلم والكرم والسخاء، وقد اختلطت بطينة الأحساء المعطاءة، حتى أصبح الضيف هو صاحب الدار، وكانوا أولى ببيت المقنع الكندي:
وإني لعبد الضيف ما دام نازلا | وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا | أو كأن المقنع قد عناهم بهذا البيت فأخطأ ووصف نفسه، ولكن الملفت للنظر ان تعدد هذه المجالس العلمية والأدبية والموزعة على أيام الاسبوع وقد تسمى الكثير منها باسم اليوم الذي يقام فيه المجلس كانت إقامتها لحاجة في النفس وغرض يشوبه الشك، فهي لا تسمن ولا تغني، وكما قال المثل كل مجرٍ في الخلاء يسرّ لأن صاحب المجلس بعيد كل البعد عن العلم والأدب ولكن يغمس يديه ورجليه مع من سبقه وفتح مجلسه ويدخل من الباب الذي دخل منه الحاضرون، شاء من شاء وأبى من أبى، ويصيب من الشهرة ما أصابها أسلافه. فيأخذ نصيبه من الإطراء والثناء اللا محدود من العامة، حتى يظهر على صفحات الجرائد مبديا ابتسامة عريضة على محياه متشدقا، كعادته ممتدحا مجلسه ليتحدث به الركبان في مسامراتهم والفتيان في مغامراتهم، يريد بذلك حسن الاحدوثة والرفعة في أعين الخلق، ويُعد فيمن عدّ من رجالات العلم والثقافة، فإذا ذكرت الأحساء ومجالسها لم يفتهم صاحب المربد، وهذه شنشنة أعرفها من أخزم. وكنا نتمنى أن يكون أصحاب هذه المجالس ممن لهم نصيب في العلم والأدب، حتى يكون القصد واضحا كوضوح الشمس في رابعة النهار، وحتى يكون المحاضر أهلا بأن يلقي بين يدي الناس ما اختزله من علم وأدب، فمخاطبة الناس ليس بالأمر الهين لأن عرض العقول يحتاج الى علم وخبرة وتمرس، حتى لا تكثر السقطات وتقل العثرات ولا يكون أضحوكة القوم. وهو بعد عقل غيرك تضيفه الى عقلك كما يقول الجاحظ، فكأنك فتحت كتابا ليقرأه الناس فإن وجدوا صاحبه حكيما بليغا حمدوه وأثنوا عليه بما هو أهله، وان وجدوا غير ذلك ذموه وتركوا الألسنة تنهش فيه كما تشاء، ولا يجد أكثرهم شاكرين. وما يجري في بعض المجالس بأن يستضاف الغث والسمين ثم يدلوا كل منهم بدلوه فيجيئك منهم يوما صافيا ويوما يجيئك بحمأة وقليل ماء. وقد يتجشم عناء الحضور من هبَّ ودبَّ لا لشيء ولكن ليطل برأسه من نافذة العلم ليُحسب منهم ويشار إليه انه من زمرة المثقفين وأصحاب العقول النيرة، ثم يكون له شرف المشاركة في المداخلات والمناقشات فيدخل من حيث تدري ولا تدري من بين الأيدي والأرجل ومن اليمين والشمال فيتفضل عليك في اي علم شاء او شئت ويكون له سنام الأمر كله، ولا يكتفي بذلك بل تراه يسهم مع المحاضر ليخرجه من الظلمات إلى النور دون حسيب أو رقيب استهانة بالمجلس ومن فيه وجهلا بآداب العلم والحديث ورحم الله المتنبي حين قال:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله | وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم | فإن كان ولابد من هذا العبث الذي لن يستمر لأنه أنشئ لحاجة ما أسرع ان تنقضي، فمهلا مهلا حين تستضيفون، ورفقا برجال العلم والأدب وبعقول الناس؛ فإن جلّ هذه المجالس شُبَه، إلا ما رحم ربي، حيث اختلط الحابل بالنابل والأصل بالزيف، ولا أريد أن أجعهلم في سلة واحدة؛ فهذا حيف وجور لا أقبله على شيوخ أفاضل، شقوا الطريق وعبَّدوه فصار سهلا ميسّرا لمن أراد السير فيه.
زياد بن حمد السبيتد
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|