وجوه وزوايا الحرملك «1-2» أحمد الدويحي
|
إضاءة مدينة أبها المشعة، تنعكس على بحيرتها العتيدة، فترسم أشباحها وأشجارها وعمائرها على صفحة ماء بحيرتها العتيدة، وهمس خفي يتجسد مواويل وغناء شجياً، فتحس أن قوافل القرويين وجهادهم في بناء مدينة جميلة، ما زال مستمراً من عقود متراكمة، فجاء صوتها ساحراً ساطعاً مطلع الفجر.
وجئت لأبها زاعماً ومتصوراً حالي زعيماً للسرد، فكان هناك ظافر وفائع ومضواح والمدخلي والشمراني والعمري والجميل أحمد صغير، وكل كوكبة السرد المعروفين، لا بد أن يعذرني الآخرون إذا نسيت أسماءهم، ولم أنسَ مداخلاتهم الجميلة، حول السرد والرواية المحلية، وجملة التحولات المشهودة في بلادنا، ووجدت أنني أستمع لهم بإصغاء، وأقرأ نصوصهم الجميلة بمتعة، وهو ما سوف أقف عنده في المرات القادمة.
من جملة النصوص الصادرة عن نادي أبها الأدبي، هذا الصرح الثقافي وقد صار منارة ثقافية، ليس لأبناء القرى المحيطة بأبها، إنما لأبناء الجنوب كافة، وما دمت في هذه النقطة بالذات، فلا بد هنا أن أقف أمام سطور كتاب (خلف أسوار الحرملك)، للكاتبة عائشة بنت عبدالرحمن الحشر، فالكاتبة تناقش قضية محسومة في الوعي الإنساني خارج مجتمعنا، وهي حينما تحدد من تكتب عنهن في البداية، فالضحايا موجودات في أطراف المدن الكبيرة، وموجودات في القرى الكثيرة حول المدن، إنهن في المجتمع الذي يشكل التعصب واللاتسامح الصفة الأساسية فيه، وتشكل النظرة الدونية للمرأة والارتياب منها، أو في أحسن الأحوال الخوف عليها أمراً طبيعياً، وبهذا فالكاتبة تشير إلى المجتمع كفاعل للظلم وليس الإسلام المتهم، فكلنا مسلمون متفقون على أن الإسلام كرّم المرأة.
وتمضي الكاتبة في التركيز على واقع المرأة في الجنوب، كونها تربّت وتعلمت، وتعيش في أرض الجنوب، وبأن النساء في هذه المنطقة كن مواطنات ذوات حقوق تقترب من حقوق الرجل، وكيف أصبحن مضطهدات وأسيرات الآن مع تأكيد الغالبية العظمى من العامة والنخبة في التيارات الدينية بأن حريتهن السابقة، كانت بسبب الجهل بتعاليم الدين الحنيف، واستلاب إنسانيتهن الحاصلة الآن هي الكرامة عينها، فتسأل كيف كن النساء نساء؟ معروفات بالاسم والوجه، ولسن مجرد (حريم وحرمة)؟ مفردة غير متداولة وغير معروفة على الإطلاق، قبل أن تتغلغل في عقولنا تلك الثقافة الآتية إلى الجبل باسم الدين، فلا يقاوم ولا يرفض ولا يحدث التوجس منه، وتدحض مثل هذا التصور الخاطئ في الذاكرة المجتمعة، وقد تراكم هذا الظلم والتهميش والمصادرة وتدني مكانة المرأة، ومصادرة حقها الطبيعي في الحياة والعمل ومشاركة الرجل جنباً إلى جنب، تدحضها وتبين خللها بنصوص قرآنية كثيرة وأحاديث شريفة، ومستندة إلى أقوال كثير من الفقهاء، وظريف القول ما جاء من أقوال وحكم في الثقافة الإنسانية حول المرأة، كقول الشاعر الهندي الكبير (طاغور): إن الله حين أراد أن يخلق حواء من آدم لم يخلقها من عظام رجليه حتى لا يدوسها، ولا من عظام رأسه حتى لا تدوسه، وإنما خلقها من أحد أضلاعه لتكون مساوية له قريبة من قلبه. وتنهي عائشة تساؤلاتها بما قيل عن قيس ابن عاصم، وقد وأد اثنتي عشرة بنتاً من بناته، ولم يرَ أحد في مجتمعه كله أن له الحق في قتل قيس أو سجنه أو حتى منعه بالقوة، فهو حر لأنه ذكر ويملك الأنثى!! فهل ما زال الرجل يملك الأنثى؟
عائشة تذكرني بنصوص عبدالعزيز مشري، وبالذات ما يعنى بالمرأة التي انتصر لها، وهي تغادر حياتها الطبيعية في جملة هذه التحولات.
لا أستطيع أن أزور أبها دون رؤية الصديق والشاعر المبدع محمد زائد الألمعي، محمد تشد له الرحال، كيف لا؟ ولا أريد أن أحرث عمر صداقة نصف قرن من الزمان، لولا أن محمد أعاد حكاية منع مجموعة (البديل) القصصية، لتطبع نصاً آخر (مكاشفات السف والوردة) للراحل المبدع عبدالعزيز مشري، وقد كتب الرقيب في تقريره السري، ما يبرر منع مجموعتي القصصية (بأنها سريالية تنتمي إلى مذهب فني نشأ بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا، وليس هناك من مسوغ لنشر مجموعة البديل..)، وكأن عالمنا يخلو من القتل والظلم والهوان، هذا الرقيب الذي لا أعرف من يكون؟ كتب في ذات الوقت كتب عبارات غريبة لمنع نص عبدالعزيز، أخجل من كتابته ويعرفه زائد، وحينها كانت رواية (الوسمية) في ذلك الزمن، تأتي ضمن أجمل مئة رواية في العام، كنت أستطيع وأنا الذي تعمدت ألا أعطي فرصة للذين يريدون أن يفجروا قضاياهم الذاتية، أن أسأل صديقي وهو يعرف كثيراً من القضايا دون أن أحرجه، وأعيد إلى الذاكرة جملة من الأسئلة، لماذا هذا التصنيف؟ ولماذا عبدالعزيز والدويحي؟ ولماذا الحادي عشر من سبتمبر على وجه التحديد؟
الصديق الحميم الآخر د. علي الرباعي: أربا به أن يأتي من الباحة إلى أبها ليسألني، وقد تحول العالم في نظره، فلماذا أواصل الكتابة السردية دون الخوض في لحمة الواقع؟
........يتبع
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|