((مكة 1426)) العاصمة الثقافية الإسلامية خواطر مصرحة لمحمد حسن عواد محمد القشعمي
|
من الكتب الأدبية المثيرة للجدل التي صدرت مع بداية بسط نفوذ الملك عبدالعزيز على الحجاز، وبالتحديد عام 1344هـ 1926م، فقد كتب محمد حسن عواد موضوعات الكتاب وهو في ريعان شبابه وأوج حماسه، فقد ذكر في مقدمة الطبعة الثانية من الكتاب.. أنه كتب مواد الطبعة الأولى في ثنايا أيام سنة 1344هـ 1926م ونشر في أوائل سنة 1345هـ، وكنت أستقبل السنة العشرين من سني حياتي.
طبع الكتاب في مصر، وقدم له الأستاذان محمد سرور الصبان وعبد الوهاب آشي.
وبإلقاء نظرة سريعة على الكتاب، وما تضمنه من ردود أفعال متناقضة بين مرحب وغاضب، وبالذات ما استعرضه الدكتور علي جواد الطاهر في (معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية في طبعته الثانية عام 1418هـ 1997م التي أشرف عليها الشيخ حمد الجاسر رحمهم الله في دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر.
كتب على غلاف الكتاب، خواطر مصرحة.. مقالات في الأدب واللغة والنقد والاجتماع بقلم م. حسن عواد .. جدة (الحجاز) طبع على نفقة المكتبة الحجازية بمكة المكرمة، حقوق الطبع محفوظة، الجزء الأول.. المطبعة العربية بمصر، شارع المزين بالموسكي، طبع سنة 1345هـ 1926م.
والمعروف أن المكتبة الحجازية بمكة لصاحبها محمد سرور الصبان، وكذا المطبعة العربية وصاحبها خير الدين الزركلي وكلاهما غنيان عن التعريف في الصفحة الثانية نقرأ الإهداء.. إلى بلادي:
نفثات حرّى هذه
لكِ من فؤادي يا بلادي
أنا أقول لك اقرئيها في المجامع والنوادي
وترنمى بنظيمها
ونثيرها ترنيم شادي
لكن أقول لك اذكري
أني أذبت بها فؤادي
كيما ألبي داعياً
في النفس قام بها ينادي
جدة (الحجاز) رأس السنة 1345هـ ..... محمد حسن عواد
بعد الأهداء نجد في الصفحة الرابعة كلمة الشباب الناشر محمد سرور الصبان قال فيها:
لقد طلع الفجر فاستيقظنا، ونادانا الواجب فلبينا، وبدأنا نسمع صوتنا لمن أنكرنا، وصرنا نكتب ونشعر. نكتب لنعلم كيف نكتب، ونشعر لنعرف كيف نشعر، وإنا كما قال ولي الدين: لسنا متجاوزين حداً من حدودنا، وما فينا من يطمح طرفه إلى فائدة خاصة ينالها. إن نحن إلا أبناء وطن نريد إصلاحه. نسعى لنقيم العدل فننزع إلى مكارم الأخلاق.
مكة المكرمة 16 ربيع الأول 1345هـ .. م.س الصبان
في الصفحات التالية (515) تأتي مقدمة الكتاب الطويلة بتوقيع عبدالوهاب آشي، وقد بدأها بقوله: طلب مني الزميل الموقر الأستاذ (محمد سرور الصبان) أن أضع مقدمة لخواطر الكاتب العصري والشاعر البارع الأديب (محمد حسن عواد) فلم يسعني إلا الإجابة، وقد سدت في وجهي أبواب الاعتذار، فتناولت الكتاب وتصفحته على قدر ما سمح الوقت وسنحت الفرصة، فرأيت الأديب ذهب مذاهب شتى في خواطره بين نظرات في الحياة الأدبية، ودروس في الاجتماع ومواعظ لكبح جماح الأمة عن غوايتها، وهو في كلها حر الفكر صريح الرأي شديد اللهجة (...) أعجبني الأديب كثيراً في جرأته الأدبية، فلقد مني الحجاز بل أبناؤه أحقاباً طويلة بداء الخنوع والمسالمة والسكون على المضض حتى الموت..وهناك أيضا روح جديدة بالنسبة إلينا تمر عليها في الكتاب مغتبطين ، ألا وهو البحث في حقوق المرأة وواجباتها لدينا(...) أما أسلوب أديبنا وديباجته في نثره فأسلوب من يفكر فيما يكتب، لا من يفكر في كيف يكتب، ولذلك تراه في كل كتاباته قليل العناية بتنميق العبارات..
ثم كلمة هي كثيراً ما يوجه المحافظون المتشددون من المتدينين.. إلينا معشر الشباب سهام الازدراء والاحتقار.. يزعمون أننا مرقنا من الدين، وتجاوزنا حدود اللياقة الأدبية معهم.. إلا أنهم في خطل عظيم.. نحن نريد أن يسود العلم والوداد والشعور السامي كل طبقاتنا.. إلخ.
يبدأ الكتاب من الصفحة 16 إلى الصفحة الأخيرة 100 وهي تضم الفهرس، في البداية يفتتح الكتاب بمعنى الصراحة من القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (135) سورة النساء.
ثم يورد عبارة منسوبة إلى سلامة موسى الأديب المصري وفيها يقول: ليست تقتصر مهمة الأدب على نقد الحياة فقط، وإنما أكبر مهامه والمحور الذي يدور عليه هو نقد الحياة، وذلك لأن أحرى الموضوعات وأجدرها بدراسة الإنسان هو الإنسان نفسه.
وأول مقال يردنا كبداية للكتاب يحمل عنوانا (من نافذة الخيال) وفيها يقول: إنه جاءته هزازة الساحة المبدعة لتوقظ فكرته. وقال: إنه استفاد مما حملت إليه من هدية فقد كانت تحمل في يد مشعلاً نارياً وفي الأخرى سيفاً مسلولاً فاختار المشعل لأننا في ظلمات، وسيف الحرب لأننا في بدء تكوين ثورة فكرية. هي ثورة الجديد على القديم، والحرية على التقليد... وهكذا بعد أن قبلت هدية الجنية الساحرة آثرت (الصراحة) في القول والاستقلال في الفكر حين قمت لأكتب خواطري لأقدمها بين يدي أبناء أمتي).
ثم يبدأ ب(مداعبة مع العلماء) البلاغة العربية، أيها المتشاعرون، أمة مهملة، كيف تكونين، فلسفة الحياة العصرية، ابن الحجاز، الأدب في الحجاز بريشة الفن، الشرق الأقصى، تربية الإفرنجة، بين الجزر والمد، الأمة الإفرنسية، الخليج العربي (حاجتنا إلى اللغات الأجنبية) في آذان المتمرئسين اللغة العصرية تحليل ولي الدين يكن (الزواج الإجباري) الحجاز بعد (500 سنة) (فكرتي تسألني) (من مشعل النار) ويختتم تلك الموضوعات بقصيدة عنوانها ب(خاطر من الشعر) مع الورقاء.. قدم لها بقوله: هذه القصيدة هي إحدى المساجلات الأدبية التي دارت بيني وبين الأديب عمر أفندي عرب في سنة 1342ه وكان الغرض منها ترويج الأساليب العصرية في الأدب الحجازي.
وكانت هذه أول دفعة قدمتها إليه فأرسل لمحاكاتها قصيدته (قلب المحب) مع رسالة جاء فيها (وأرجو مواصلة ذلك حتى نقطع حلقة الرهان فائزين).
وقد علق علي جواد الطاهر على الكتاب بقوله: لقد كان صدور (خواطر مصرحة) في ذلك الوقت المبكر جداً من تاريخ النشر الأدبي في المملكة بقلم شاب ثائر يدعي الكثير، ويخوض في مسائل ضخمة، اشبه بثورة في المحيط، وقد ترك صدى كبيراً زاد في ثقة الكاتب بنفسه وزاد في (غروره) الأدبي كذلك.
ولا غنى لدارس النهضة الأدبية في الحجاز (والمملكة) وأوليات تجديد الفكر والأدب من وقفة عند خواطر مصرحة.. (وأدب الحجاز) ثم متابعة ما آل إليه الحال، ومدى ما تحقق ومدى ما لم يتحقق والعوامل الفعالة في كل.
ويذكر محمد علي مغربي في (أعلام الحجاز، ج1، ص 182 183): (في عام 1345هـ أصدر العواد كتاب (خواطر مصرحة)، وهذا الكتاب أحدث ضجة عظيمة في وقته لأنه كان صريحاً في معالجته للأمور التي تناولها بل نستطيع أن نقول: إنه كان جريئاً بصورة غير مألوفة، ولقد تعرض العاد بإصدار هذا الكتاب لمشكلات كثيرة، فقد عينت الحكومة لجنة للتحقيق معه فيما ورد في كتابه هذا كانت اللجنة مؤلفة من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل، والشيخ محمد صالح نصيف ومهدي المصلح (مدير الأمن العام)... وخاصة في مهاجمته للعلماء التقليديين الذين هزأ بهم، فأكثر الهزء، وكلفهم كما كلف نفسه شططا، وفقد العاد بهذا الكتاب مكانته الممتازة كأستاذ ملحوظ في مدرسة الفلاح بجدة وهي أهم مدرسة في المدينة..)
(ومما أذكره عن (خواطر مصرحة) أنني اشتريت نسخة منه، وأنا طالب بمدرسة الفلاح أول ظهوره، وأبصر الشيخ عمر حنفي... وكيل المدرسة النسخة في يدي، فسألني عنها، فقلت: إنها (خواطر مصرحة) قال: وهل تريد أن تقرأه؟ قلت: نعم. قال: لا تقرأه. قلت: ولكنه لأستاذنا العواد. قال: ولو. إنه كتاب سيئ.
ولكن هذا النهي لم يزدني إلا إصراراً على قراءة الكتاب، والاحتفاظ به، ولا يزال عندي حتى اليوم (1401هـ 1981م).
(كما أذكر أن أستاذنا الشيخ حسين مطر مدير مدرسة الفلاح... ألقى كلمة في الطلاب، بعد صلاة الظهر حين ذاك، قال فيها ما معناه: إن محمد حسن عواد كان تاجا على رأس المدرسة، ولكنه، بعد أن أصدر كتاب (خواطر مصرحة) فقد مكانته فيها).
(ولست في حاجة لأن أقول: إن كل هذا العداء لم يزد العواد إلا إصراراً على موقفه، وتصلباً في آرائه، فقد كان عنيداً لا يتراجع ولو وقف الجميع ضده.
وقال محمد علي مغربي معلقاً على الزوبعة التي أثارها الكتاب: والواقع أننا لو أردنا تقييم الكتاب بمحتواه بعيداً عن الظروف التي شرحناها، لوجدنا أنه عبارة عن مجموعة مقالات تدعو إلى الاصلاح، وإلى التجديد في كل شيء ولكن بعضها ينتهج أسلوباً جارحاً في التعبير وخاصة تلك المقالة التي يوجهها للعلماء، وكان من الممكن التعبير عن هذه الأفكار بأسلوب أكثر هدوءاً وأقل اندفاعاً، ولكن الكتاب، كما قلنا، كان مفاجأة مذهلة للناس، فاستحق أن يدخل التاريخ إيذاناً بابتداء حركة التجديد في الأدب في الحجاز، مع ما سبقه من كتابي (أدب الحجاز) و (المعرض) لمحمد سرور الصبان، وما تلاهما من ظهور جريدة (صوت الحجاز) التي كانت تعبيراً مستمراً عن هذا الأدب لسنوات طويلة فيما بعد.
ولقد أصدر العواد بعد ذلك الجزء الثاني من (خواطر مصرحة) عام 1380هـ (خواطر مصرحة، جزءان في مجلد واحد، مطبعة المدني، الطبعة الثانية... فمرت الخواطر دون أن يشعر بها أحد، ذلك أن ما كتبه العواد في عام 1346هـ يقصد 1345هـ كان جديداً على الناس وجريئاً في ذلك الزمن، أما من جاء بعد ذلك فقد أصبح أمراً عادياً ومألوفاً، ولكل زمان حكمه...).
ويبدو أن المؤلف ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وأكثر، فبالغ في الادعاء، جاء في (المنهل الفضي) (134): (وفي عدد شعبان 1367 1948م كلمة حول ترجمة كتاب خواطر مصرحة... وكان مؤلفها محمد حسن عواد قد نشر في جريدة المدينة المنورة بالعدد 10 الصادر في 7 شعبان 1367هـ من السنة نفسها، كلمة جاء فيها إن كتابه ترجم إلى اللغتين الانجليزية والفرنسية، ونشر ذلك في مجلة أمريكية في شيكاغو... وهذا دليل قاطع على نفاسة مضمون الكتاب وارتقائه إلى الأدب العالمي الذي لا يعرف الحدود ليجد في كل بقعة من تذوقه ويستلذ به.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|