قصة قصيرة دمعة على خد الزمن.. شموع بنت محمد الزويهري
|
في الغرفة المقابلة لغرفته لم يكن يعلم بأن هناك أوجاعاً تمتزج بها مرارة..
شموخ قد انكسر منذ أشهر معدودة.. ولفلذة كبده الصغيرة؟!
كانت آلام المخاض شيئاً فظيعاً بالنسبة لهزلها.. دارت بها الدنيا حتى كادت لا ترى لغرفتها سقفا..
تذكرت حين كان الفاصل الوحيد بين منزلهما تلك الحديقة الغناء التي شهدت أشجارها الوارفة أجمل الكلمات وأندى العبارات والوعود..
تذكرت كيف كان يحلف بأغلظ الإيمان على صدق نيته وتأكيد وعوده.
وعودة إلى تلك اللحظات عندما كان قلبها الصغير وحسها الضعيف يرى كلماته درراً تتناثر حولها وأطلقت آه غريبة كأنها نهاية الهواء في رئتيها.. تخرج جزافاً نحو المجهول نحو الفضاء..
ساعات مرت كأنها دهر كامل يتقطع به أنينها فتغيب عمَّن حولها دقائق ثم تعود فترى كل ما في مكتبتها من كتب ومذكرات.. ورسائل بائتة يسكنها الصمت والصقيع؟!
لحظات وفجر صوت (الوليد) كل حقيقة كان لزاماً عليها أن تصمت.. معلناً لكل من حولها الدليل الذي يدين ابن عمها بعدما رفض اتمام الزواج والسفر إلى الخارج بحجة إكمال تعليمه؟!
تأملت تلك التقاطيع الصغيرة.. كان صوته يغزو قلبها قبل أذنيها.. لم تكن كبيرة..
دارت بعينيها كشاطئ زاد مده متعدياً الحدود، تحاول إيضاح ما فيه.. ألجمتها المفاجأة.. فاتنفض جسدها الصغير ووالدتها تحمل الطفل وهي بحالة ذهول بعدما خلصته منها!
وهن قلبها الضعيف.. بكى قلب الطفلة خوفاً على صغيرها من الغياب.. البعد.. خوفاً على نفسها من العقاب.
في الخارج دارت معركة حامية بين والدها وجدتها حين زمجر متوعداً بقتلها..
متسائلاً عما يجري بالداخل.. متسائلا عن والد الطفل.. من والد الطفل..؟
وصمت.. بل انهار عندما تسرب اسم ابن أخيه إلى أذنيه وهي تنتحب..!
نهرته والدته وهي تقول:
أتذكر حين رفضت فكرة انضمام منازلكم بحديقة واحدة.. أتذكر حين اتهمتني بكرهي لأخوتك من أبيك.. هل علمت ما كان يخيفني.. لقد لمح بطلبها حين كانت بالتاسعة بأنها له عندما تكبر وصمت!!!
وماذا بعد.. هل يعتبر تلميحه إذناً له وشرعاً للارتباط دون علمنا!!!
هذه ابنتك.. بل طفلتك وهاهو طفلها وأبوه هارب.. شارد فماذا أنت فاعل؟
انقلبت أحوال المنزل، فساده الوجوم وتبدلت السعادة إلى شقاء حتى عزم على الرحيل منه بأسرع ما يمكن وهو يتوعد ابن أخيه بأفظع عقاب!!
أما هي فقد أصاب جسدها الهزل وبدأت تذبل كما يذبل فرع ريحانة بين الرياحين..
فهي تصحو لتبكي وتتأمل حالها متساءلة: لماذا كل هذا.. لماذا يهرب مني.. أين هو الآن حتى يعترف بحقيقة ابننا.. حتى يكون لي الحق في العيش بسلام!!
لا أستطيع مقابلة والدي الذي يكرهني.. حتى الصغير أكاد أسكت نبضه وأكتم أنفاسه حتى لا يسمع بكاءه فيقتله.
تساءلت في حيرة وألم يموجان بأعماق كبدها وهي التي قد سمعت عن ثوب الزفاف وقد وعدها به فور وصوله.. أين هو الآن؟
كانت تهذي.. وقد تحولت كتلة من نار تفيق لدقائق وهي تتمتم بطلب الرحمة من الله ثم ترجع إلى مغارتها السرمدية في كمد..
حتى أتى ذلك اليوم.. كانت تتألم وتتحمل فوق ما يحتمله بشر مثلها لم تتخطَ بعد الرابعة عشرة..
فتحت عينيها.. استلت ورقة من تحت وسادتها وقرأت:
سأعود.. وربما لا أعود أتمنى لك حظاً أوفر!!
أطبقت عينها وضمت شفتيها كأنما تنتظر القادم.. القادم
فقد كانت تحتضر..
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|