آراء في العلم والنقد صالح بن سعد اللحيدان
|
في غضون القرون الثلاثة الأولى من عمر الدولة العباسية كادت العلوم تزدهر بذي أصالة وسبق غير ملحوق من شأنه التجديد والإضافة من القروم، لكن المأمون أضاف في دار الحكمة ما لم يرتضه أبوه هارون؛ أضاف إضافات لم يسبق إليها من حيث الكم ومن حيث الكيف، وقد كان سبقاً في حقيقته جرَّ عليه وعلى من بعده حتى آخر العصر الثاني من الدولة العباسية جرَّ ما جرَّ من تحزبات وانشقاق ودعوات تحت الأرض كان من شأنها ذلك الشأن الذي غطى عين المأمون عن مستقلبات الأيام على حدب ما كان له أن يكون لولا جسارته بضرب العلم بعلم آخر وثقافة بثقافة أخرى كان من جرائها وربّ ضارة نافعة التجديد في علم الرواية وعلم الدراية، سواء بسواء على حال قائمة وهي تقوم عبر كل القرون.
فظهر المجددون تباعاً في علوم شتى تراخى أمامها وتوارى ابن أبي دؤاد والجهم وحمدان قرمط وسواهم وإن بدوا أشداء معاندين لهم صولة ولهم جولة حتى في مجال الرواية والتعليل وهم أبعد عنها كبعد الغزالة في وهجها عن الأرض ذلك البعد السحيق.
وإن المأمون والمعتصم تجاوز الله عنهما لفي مذمةٍ لم يدركا تخومها على تطاول العهود.
وفي (سير أعلام النبلاء) ومن قبل (تاريخ دمشق) لابن عساكر العجب الذي يتراءى لكل ذي نصيب من عقل سليم يبين منه خطورة تقديم العقل على النقل، وإزاحة العقل لتحل محله العاطفة، ومصالح الذات أرادوا أو لم يريدوا، شاءوا أو لم يشاءوا، أحبوا أو كرهوا، مالوا أو تركوا، سعوا أو وقفوا. وتأمل الحال في ذلك الحين بعين راجحة وسبيل قويم يتضح منه ما في ذلك شك عندي ندم المأمون والمعتصم على ما كان منهما، ولا يحق لقائل أن يقول: إنهما اجتهدا وما هما من ذلك في شيء مبين وتدبر دار الحكمة وحال ابن أبي دؤاد، وما تلا ذلك من سنين وسنين يبين حسب التدبر هزيمة الخلط المراد بتدبير شائن مشين بين علم صحيح وآخر سقيم، وثقافة وفدت إلى ثقافة هي قرة العين من ناضب، وهل ينضب من قَرَّ في قرار مكين..؟!
وابن عساكر إمام جمع في كتابه بين علم الدراية والرواية وجلب الأمثلة مما قام به هارون وشوّهه المأمون على مثال لكنه هائم مسدول.
وإذا كان عصر المأمون هو الذهبي على وجه صالح فإنه ذهبي ذهب بسمعته حين زلَّ ويا له من زلل، وحين مال ويا له من ميل، فإن خطأ الشاطر عن عشرة أو تزيد، وعور فعله عفا الله عنه المبالغة في الإبعاد والإهمال لعظماء نطقت الألسن بذكرهم في المشرقين في حينه وبعد حينه، وما كان له أن يعقل ذلك، وإن أوتي علماً وسعة معارف وسياسة وحنكة ودهاء، لكنه والمعتصم تجاوز الله تعالى عنهما أرادا، والله أراد، وأمر الله غالب. وكم أسفتُ (لمحمود أبو رية) ومن قبل (جورجي زيدان) و(بدوي) في سفره (محمد رسول الحرية)، والحكيم في كتابه (حياة محمد) وعبد العزيز سيد الأهل في كتابه (عمر بن عبد العزيز) وسواهم خلق كثير كتبوا حين كتبوا بطرق خمس:
1 عاطفة وعجلة.
2 ضعف الآثار وكذبها.
3 النقل المجرد.
4 الهوى والاستطراد.
5 عدم توثيق المنقول توثيقاً حقاً.
ناهيك عن سطو بيِّنٍ لمن تدبَّر، سواء من (الأغاني) أو (العقد الفريد) أو (خاص الخاص)، وهي كتب ألفت في حينها بإيعاز سيئ؛ فكثر فيها السوء مُغلفاً بلباس الأدب والخبر والطرفة والحكمة والمثل، وإلا فإين الناس من (عيون الأخبار) و(أدب الكاتب) و(تاريخ دمشق) و(وفاء الوفاء) و(تهذيب الكمال) و(الاستيعاب) و(تذكرة الحفاظ) و(زاد المعاد) و(صيد الخاطر)؟
لكنه سبق العاطفة وتقديم العقل، ولهذا لم ألم (العقاد) رحمه الله في كتابي (نقد آراء ومرويات العلماء والمؤرخين) بقدر ما لمت سواه في حينه ممن دار مع الريح وترك أمراً صلباً من العلم الحثيث دراية ورواية ودقة وأمانة.
ولعل في حال العلم أبين منه ما يلزم الآتي:
1 الاهتمام بشأن توثيق النص من مصدره الصحيح الأصلي.
2 البعد عن نقد الذات.
3 تحرّي الدقة وحسن الخلق.
4 عدم التشنيع أو التسفيه.
5 ترك طلب التفرد.
6 تدبر عواقب الزلل.
7 بسط رأي المخالف بعقل وحكمة.
8 الاستفادة ممن أخطأ ولو سُكت عنه.
9 حسن المناقشة للوصول إلى الحق.
10 معاقبة (الذات) حال إقصاء الغير.
11 التثبت قبل الحكم.
12 الاستشارة وشدة التحري.
13 ردّ المظالم بردّ الحقوق إلى أهلها.
14 كثرة التأمل والاعتبار بحال من سلف.
إجابات
* أ. د. محمد جمال ماضي أبو العزائم مدير مستشفى جمال أبو العزائم القاهرة مدينة نصر.
أقدّر لك خطابك الكريم، وسوف أهتم بموضوع (البدر) في القطيف.
* محمد بن سليم بن جهار الهدلق الأردن عمان.
كتابي (النقد العلمي) موجود في الأردن.
* أحمد بن نهار بن عويدة الرشيدي حائل.
كتاب الزمخشري (الكشاف) كتاب جيد في بابه لكنه (معتزلي) فتنبه لهذا.
* علي بن حمدان بن وهدان العوفي المدينة.
(مروج الذهب) للمسعودي لا بأس بقراءته لكن مع الحذر لوجود آثار لم تصح، خاصة والكتاب مليء بالمبالغات والهوى.
* حميد بن مصلح بن قائد الزلابي العسيري اليمن صنعاء.
نعم (نزار قباني) سطا في شعره على غيره، وبحكم جسارته وعدم مبالاته لم يذعن، لكنه في حال حسرة حتى في حياته. لم ألتق به.
* وداد بنت مسعود البارقي أم سليم الطائف.
لا يعرف العالم بكثرة كتب أو كلام، إنما بطول صحبة مع تعمّق في حاله وسكنه ومركبه وحفظه وورعه، أو بما تحويه كتبه من إضافات علمية جيدة بعيداً عن مجرد النقل والوعظ والاستطراد.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|