الدور السياسي للمرأة سهام القحطاني
|
يظل الفرق بين مستوى الحركة ومنحاها مرتبطاً بقيمة ونوع المسافة الفاصلة بين المحور واللامحور من النص المتفق عليه كمرجع, وهو أمر حيوي قلما تم ادراكه أو توافر استدعائه كمركز لتحديد التصور المصاغ للحلول، إذا وضعنا في الاعتبار أن المحور ذو أهلية عقلانية ثابتة، ولك أن تسمي المحور بالميثاق أو النص المتفق بالثبوت أو نواة البرمجة أو المعيار، لكن علينا أن ندرك أن قانون المحور أحادي المضمون لا تتشكل مضموناته وفق التقنيات الاجتماعية المختلفة الخاضعة لقدرة التكيف مع المتغير الشكلاني فقط.
إن قضية تفعيل الدور السياسي للمرأة المسلمة أو تغيبه، قضية يجب أن تناقش وفق قيمة مقياس المحور (النص المقدس) لا خلاف ذلك، والنقاش ها هنا لا من أجل اثبات الحق (لأن الحق مثبت سابقاً) بل من أجل تفعيل ذلك الحق.
لا شك أن الحديث عن مشاركة المرأة المسلمة في التمثيل السياسي، حديث كثر حوله الجدل حتى غابت عنا منطقة المحور وأصبحنا نمد خطوطنا في الفراغ فلا نكون لها شمساً واضحة لنهتدي بها في السير، وفي خضم الرفض اليساري غير المبرر لدور المرأة السياسي الذي يظن أنه الفردوس المفقود، ونقيضه الأقصوي اليميني من قبول يتجاوز منطقة المحور ليمتد إلى أرض الجحيم، كان السؤال: من أين نبدأ؟ المرأة كونها مصنفا انسانيا فهي بهذا التصنيف الفئوي تحمل ملكات وقدرات التمييز والارادة والقرار والفعل، والخطاب الحياتي بكلياته جاء في القرآن مصاغاً وفق تلك الفئوية المصنفة تحت مصطلح الإنسان (الرجل والمرأة) عامة وخصوصية العقيدة خاصة (المؤمن والمؤمنة) وأحادية الخطاب الموجه للإنسان يعني إلزام المساواة في مسؤولية الاعتقاد والفعل، وهذه القاعدة العامة (المحور) أما الاستثناء فيظل مرتبطاً بتغير بيولوجي، انتهاؤه يلغي استثنائيته في التجاوز.
جاء الاسلام مكرماً للإنسان كجنس وذات ونوع وعقل وسلوك، وموحداً لمؤسسي الحياة الانسانية المرأة والرجل من حيث الكرامة والعدالة والمساواة في جميع مناحي الحياة، بعدما فرقت الجاهلية القديمة بين ذسشاتهما، واتهمت المرأة بنقص التكوين الفسيولوجي مقابل التكوين المتكامل للرجل، وبالشر والإثم والخطيئة مقابل الخيرية المطلقة للرجل، وبالعبودية الدائمة مقابل السيادة المطلقة للرجل، كانت المرأة جزءاً من المتاع قابل للتوارث، هذا في حالة حماية القدر لها من كهف الوأد مع أن كلا الأمرين من مشتقات الموت، ثم جاء الإسلام، فوحد عنصرية التكوين الفسيولوجي بين الرجل والمرأة كمبدأ أول لتنظير المساواة والعدالة بينهما، في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (1) النساء.
ثم المساواة الإنسانية المطلقة التي ينظرها قول رسولنا الكريم: (النساء شقائق الرجال) ووجود الاستثناءات في عملية التقابل بين الرجل والمرأة في النظام الاسلامي لا تخرج عن المرجع البيولوجي، والاستثناءات تعني حالة مخصوصة مرتبطة بالقدرة المادية.
إن العقل والعلم والأمانة هم مصادر مسؤولية نظام الاستخلاف في الأرض، وفي خطاب النص المقدس، الزم الإنسان (الرجل والمرأة) بتنفيذ هذا النظام، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً {72} لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}. والوعي التشريعي مسؤولية اجتماعية مشتركة بين الرجل والمرأة في الخطاب المقدس، والوعي هنا يخرج الى دائرة مشاركة الفعل، وفد منح الاسلام المرأة المشاركة مناصفة مع الرجل في المسؤوليات والواجبات والتكاليف والعمل التوعوي سواء كان سياسيا او اجتماعيا او اقتصاديا او غير ذلك من مجالات الحياة ففي قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (71) سورة التوبة
ويتجلى لنا وجوب المشاركة في الفكر والعمل في قوله {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} ومفرد أولياء ولي، وهو صفة يطلق بالتذكير على الرجل والمرأة وقد يؤنث فيقال ولية والأصح عدم تأنيثه ومشاركة نوعي المخاطب في تذكير الصفة، ومن معاني كلمة ولي (الشريك) وشمولية تعميم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للرجل والمرأة يعطيها حق المشاركة في نظام الحسبة، لأن الذكورة شرط غير معتبر للعمل في مجال الحسبة وفق الآية السابقة.
كما تتجاوز مشاركة المرأة للرجل في الإسلام حدود التنفيذ لتصل مستوى الشورى والتفكير واتخاذ القرار في جميع مناحي الحياة بما فيها السياسية, ففي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (38) سورة الشورى، والخطاب هنا موجه للمؤمنين عامة الرجال والنساء، وقد شاركت المرأة المسلمة في المشهد السياسي منذ أيام الرسول الكريم، بداية من بيعة العقبة, ومبايعة المرأة في العهد والدعوة والإيمان، الذي يثبت حقها الشرعي في المشاركة التفعيلية المؤثرة للمجتمع، قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (12) سورة الممتحنة، ونلاحظ أن الإسلام قد كفل حق المرأة في تفعيل دورها الحياتي بما يضمن لها وظيفة الاستخلاف بالتقابل مع الرجل.
إن محور التسوية بين المرأة والرجل في الاسلام تطّرد في تشريعات التكاليف باستثناء أمور تتعلق ببعض الخصائص البيولوجية للمرأة، هذا في مجال التكليف، أما في مجال الحقوق التي يفرضها الإسلام للمرأة فهي تتساوى مع الحقوق المفروضة مع الرجل.
إن مفهوم المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام، هو مفهوم يجهل الكثير منا استيعاب مضامينه وهو أمر طبيعي، لفعل الازاحة الذي نمارسه للنص المقدس لاحلال العرف والتقاليد، حتى أوشك الأصل أن يذوب بالعرف.
seham_h_a@hotmail.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|