قف بالطلول وقل يا دمعتي سيلي |
اخني الزمان على مقهوى البرازيل |
كأن جدرانه لم تحو ندوتنا |
ولا تضارب فيه القال بالقيل |
ولا سقانا خليل فيه قهوته |
مغشوشة بشعير الهند والفول |
تلك الموائد كم حيكت بجانبها |
مقالب واعدت من احابيل |
مقلاية الحق في ارجائها نصبت |
لكل منتفخ بالعرض والطول |
قالوا تدسون، قلنا ذاك ديدننا |
ان ساد في الناس اصحاب الاباطيل |
تحارب الظلم والطغيان ألسننا |
اذا تقاعس كتاب الجرانيل |
الشامتون بنا لا در درّهم |
من ساسة الحكم او اهل الرساميل |
لا يشمتوا، مقبل الايام يعلمهم |
من ذا الذي يتبقى في الغرابيل! |
اربع على فتية عجف مهازيل |
في الشام قد لزموا مقهى البرازيل |
نعم الشباب وان كانوا ذوي هذر |
وضيعوا العمر في شتى الاقاويل |
هم ابدعوا الشعر في اوصاف قهوتهم |
واكثروا القول في مدح وتهليل |
حتى وجوههم قد شابها قتر |
من طول ما لحسوا سؤر الفناجيل |
ثاروا على الادب الرجعي وانبعثوا |
يدعون حرى الى نبذ الاباطيل: |
زيد وعمرو من الكتاب كيف رقوا |
معارج المجد زورا دون تأهيل |
لا هم زبائن قهوات ولا حذقوا |
حرق اللفائف بين القال والقيل |
ان الغلام الذي يحيا بجانبها |
ادنى الى المجد من دانتي وفرجيل |
ما دام في القرب من ابريقها ادب |
فإن غرسونها اولى بتفضيل |
وبالطبع، ما كان عبد السلام بن محب الا انا إذ كنت طالب طب في تلك الايام. وبالطبع كذلك لم يحل تخرجي من الجامعة وعودتي الى بلدتي المبعدة لأعمل فيها طبيباً من بقاء صلتي قوية بمقهى البرازيل. كان هو موئلي في كل زيارة لي الى عاصمة بلادنا، وزياراتي لها دوما كثيرة. وحين عدت الى دمشق عضواً في مجلس النواب. بعد نحو من عامين من تخرجي، ازدادت تلك الصلة قوة. كنت اقضي فيه اوقات فراغي والتقي فيه بأصدقائي القدامى والجدد، متبادلين احاديث السياسة والثقافة ومستمرين في السخرية والضحك مما كل يثير هذا وتلك في المجتمع والاوساط المختلفة وعن الشخصيات المختلفة. وحين توليت بعض المناصب الوزارية في عام 1962م ميلادية ظلت صلتي بمقهى البرازيل على حالها من القوة. وكمثال على ذلك وزيراً للخارجية في تلك الايام. |
في حفل استقبال اقامه السفير الايراني في منزله اقبل صاحب الدعوة عليّ مجدداً تحيته التي استقبلني بها عند دخولي. قال لي، متحدثا بالفرنسية: لا تؤاخذني يا سيادة الوزير، هل تسمح لي بسؤال شخصي؟ قلت: بدون شك يا سعادة السفير، تفضل واسأل. قال: يتحدثون عن سيادتك بأنك عندما كنت طالباً جامعياً في هذه العاصمة كنت تتردد على مقهى ادبي معين، وبأنك اليوم، وانت وزير للخارجية، لا تزال تجلس فيه وتتناول فيه القهوة مع اصدقائك من زبائنه.. هل هذا صحيح؟ |
لم املك الا ان ابتسم لهذا السؤال، الذي كان السفير يعني به مقهى البرازيل. فحين كلفت بالوزارة كانت إقامتي في الاشهر الاول في فندق سميراميس على ضفة بردى. كنت استفيق، على عادتي، باكراً واخرج من الفندق قبل موعد دوام الموظفين العاديين، فكيف بالوزير نفسه! وكان مقهى البرازيل على بعد خطوات قليلة من فندقي، فكنت اتجه اليه في الصباح لأتناول قهوتي والتقي فيه بقدامى اصحابي لنتبادل احاديثنا المعهودة، الى ان يحين موعد ذهابي الى الوزارة، فأعود الى الفندق لتقلني منه سيارتي الرسمية الى عملي الرسمي. |
لم اكن ادرك ان هذا الذي اعمله كل يوم بصورة عفوية كان يثير انتباه فيوليه اهتمامه. ولكن ها هو السفير الايراني يعلمني بأن تصرفي كوزير يتردد على ما يسميه الفرنسيون مقاهي ادبية، امر يثير الانتباه ويدعو الى التساؤل! ابتسمت كما اسلفت القول وقلت للسفير: هذا صحيح. انها عادة قديمة لي لم اجد ما يدعوني الى تغييرها.. اترى يا سعادة السفير انها مخالفة للاتيكيت وتعاليم البروتوكول؟ ضحك السفير وقال بحماسة: لا، اطلاقاً. اننا في اوساطنا الدبلوماسية، نتناقلها في احاديثنا ونراها امراً طريفاً ومعجباً. |