فقد لا يعرف القارئ أو المتلقي معنى كلمة شعانين أو كلمات كثيرة هي من شوارد الكلمات والغرائب التي قد لا نجدها حتى عند الشاعر القديم لكن هل الغرابة قد تصبح في بعضها مصدر الجاذبية في شعر الجواهري. |
الجواهري يستقي هذه المادة من حفظه الذي اشتهر به فهو مشهور بحافظته منذ ان كان صغيراً ولذلك كان أبوه يهيئه لكي يكون عالماً وهو طبعاً من النجف كما تعرفون ونشأ في مدرسة دينية ولكنه اتجه إلى حفظ الشعر ومن الحكايات التي يشار إليها في هذا الكم الذي يحتكم عليه المتنبي تلك القصة التي جرت وهو في الاعدادية حينما جعل أمامه ليرة ذهبية وقيل له أن يحفظ من الشعر 450 بيتا فحفظها وفاز بهذه الليرة الذهبية في وقت قياسي صغير. |
الشاهد في هذا أن هذا المخزون هو الذي كان يستند عليه في العامل الثاني في إكساب مفرداته هذه القدرة على الإيحاء باشارات قديمة وثقافية وتأخذنا إلى الجاهلية والشعر العباسي وغير ذلك. |
العنصر الثالث مقدرة نظمية هائلة تتبدى حين ندرس الصيغة البيتية له تتبدى في قدرته الشديدة على ربط عناصر البيت الواحد في وحدة متماسكة بحيث تأتي القافية كأنما هي صدى لصدور الأبيات صوتياً وأحياناً يربطها بشكل لفظي من خلال رد الاعجاز على الصدور أو دلالي وهو ما يحقق نظرية القدماء من النقاد حينما يتحدث مثلاً عبدالقاهر الجرجاني عن أن البيت كالسبيكة كالخاتم أو كالسوار الذي يستحيل أو ينصهر إلى عناصره لا تكون القافية مجرد زينة كما يحدث لدى الناظم الضعيف الذي لا يعي من الوزن والقافية اللهم إلا تركيب هذه العناصر ولا تكون متماهية مع الدلالة. |
ومع كل عناصر البيت هذه المقدرة لديه تشكل حركة أخرى من حلقات التميز في شعرية الجواهري ومن ثم تمنحه هذا التأثير القوي على المتلقي. |
العنصر الأخير وهو ما يتعلق بالمركب حينما نقرأ قصيدة الجواهري نجدها كأنما هي رسالة ولذلك قلت انه يرتجل شعره على الغالب ولا يكتبه فالقصيدة لديه تمثل رسالة موجهة. |
د. البازعي: شكراً للدكتور عبدالله، مازلنا نتحدث عن الشعر العربي في المنفى والشعر العربي بشكل عام، الجواهري لا شك من العلامات البارزة في هذا المجال لكن قبل الجواهري كان هناك نماذج كثيرة الدكتور عبدالله المعيقل سيتحدث عن بعض هذه النماذج بشكل عام. |
تجارب النفي العربية |
د. المعيقل: أشكر الدكتور سعد على حسن الظن وأرجو أن أكون عند حسن ظنه لن أتحدث عن شاعر معين وأحب أن أشير إلى أنه ما من شاعر عربي طليعي إلا مر بالنفي معظم هؤلاء الشعراء العرب الذين نعتبرهم شعراء كبارا مرورا بالنفي سواء كان هذا النفي اختياريا أو كان اجبارياً نبدأ بالبارودي بسبب اشتراكه في ثورة عرابي فالإنجليز نفوه إلى سرنديب أحمد شوقي نفي إلى فرنسا ثم الأندلس لأنه كان يناصر الخديوي عباس وكان يحرض الشعب المصري على الإنجليز عندنا شاعر مشهور هنا حمزة شحاتة الذي اختار النفي اختار أن يعيش في مصر وحتى وهو في مصر لم يشارك في الحركة الأدبية الثقافية فكأنه نفى نفسه مرتين شاعر آخر سعودي إبراهيم الفلالي عاش مغترباً في مصر معظم شعره ودواوينه كلها كتبت هناك وواحد من دواوينه كتب مقدمته له معالي محمود طه مطران ويقال انه أول شاعر ينفى وأنتم تعلمون الحالة السياسية في الشام عندما كان الأتراك يحكمون هاجر كثير من اللبنانين سواء كانوا من الصحفيين أو الأدباء أو المترجمين ومؤسسي الصحف إلى مصر وإلى غير مصر. |
طبعاً الشاعر الفلسطيني هذا حالة واضحة ولا تحتاج إلى ايضاح وبيرم التونسي نفي أكثر من مرة "في حالة الشعر الشعبي" لأنه كان يهاجم القصر الملكي أو يهاجم الملك فؤاد وهو أصلاً تونسي كان جده قد ذهب إلى الحج ثم عاد وفي طريق العودة استقر في الاسكندرية لانه كان هناك خلافات عائلية في تونس الحقيقة لكثرة ما رأيت من شعراء مغتربين أو منفيين ظننت أن النفي ظاهرة عربية وأحياناً لكثرة شعراء العراق ظننت أن النفي ظاهرة عراقية. |
والنفي في الشعراء العراقيين يعود إلى القرن التاسع عشر هناك شاعر اسمه عبدالغني الجميل، عبدالغفار الأخرس وشاعر في القرن العشرين عبدالمحسن الكاظمي، هذا شاعر عراقي عاش تجربة المنفى الاختياري في القرن العشرين فقد دفعه خوفه من السلطات العثمانية إلى اللجوء إلى مصر وعاش هناك إلى أن توفي. |
أنا لم أكتب دراسة متعمقة عن شاعر معين ولكن تقريباً عندي بعض الملاحظات وبعض السمات التي استقيتها من هذا الشعر ولأني أعتبر الشعر العراقي شعر منفى بالدرجة الأولى لأن عدداً مهما من هؤلاء الشعراء المؤثرين في مسيرة الشعر العربي المعاصر هم عراقيون هناك ملاحظات على شعر المنفى. |
أولاً نجد فيه صورة الجاسوس أو المخبر ، تجد في القصيدة الشاعر يرسم صورة لجاسوس يتابعه في كل مكان. |
سمة أخرى تجد أن الواقع الذي يصفه الشاعر في هذه القصائد واقع مرير يمكن أن يكون واقع كابوس وهذه صورة واضحة كابوس يختلط أحياناً بالحلم سعدي يوسف له قصيدة اسمها كابوس. |
سمة أخرى من سمات هذا الشعر ولأنه مرتبط بقضايا الجماهير سواء سياسيا أو اجتماعيا نجد فيه إلحاحاً على التفاصيل اليومية على المهمش على المغيب وهذا بدأه السياب في قصيدته المومس العمياء هناك توظيف لهذه الأشياء اليومية والنفي قد يكون نفياً ذهنياً يعني لا يرتحل الإنسان إلى ما كان وإنما ينفي نفسه ذهنياً وهو في مكانه وقد يكون نفياً جسدياً لخوفه من السلطة. |
معظم قصائد النفي تنتهي بأمل يعني هناك أمل للإنسان في انتصاره على ما يقمعه يعني هناك محاولة من الشاعر بعد أن يمر بكل هذا الجو المرعب الذي يصوره في النهاية هناك أمل يمكن أن نلمحه في هذه القصائد. |
+++++++++++++++++++++++++++ |
يتبع |