قصة قصيرة كائنات أحمد علي آل مريع*
|
كائنات كثيرة تفترش الارض.. وفوق المنضدة وعلى الكرسي المجاور.. تنتشر في الهواء.. تملأ الأفق.. تحجب عين الشمس.. تأملها أكثر.. فرك عينيه وتذكر اسطورة «عقلة الاصبع والأقزام» «كان عددهم سبعة.. هؤلاء الاقزام يتزايدون.. يتناسلون في ارجاء المكان.. ويتقاطرون عبر ثقوب الزمان».
أزعجته قذراتهم.. قهقهاتهم كأنها ابر موقدة تخترم جسده النحيل، اخذ يلوح بيديه ويشيح بوجهه ذات اليمين وذات اليسار.. كان لغطهم يرتفع.. وبدأوا يتحلقون مفتونين حول كل شيء.. ويظهرون عابثين فوق كل شيء.. يبتلعون هواء الغرفة.. وأصوات تشظ حادة ترجعها الجدران.. أطل برأسه من النافذة.. كانت الشوارع تكتظ بهم.. بدت المدينة وكأنها تزف هؤلاء المشوهين!! أحدهم بلا رأس لكن مخالبه طويلة صدئة متسخة.. آخر بدين لا تظهر قدماه ويجثم كرشه على الارض.. ثالث له جسم نكرة: لا شكل له، ولا لون.. تميزه من رائحته النتنة!! رابع له ثمانية ارجل كالاخطبوط: يحرك ارجله بخفة ويديرها بكفاءة بالغة، احدى اقدامه شدت انتباهه كانت بشعة ذات تجاويف لتفريغ الهواء، يبدو انه كان يستعملها في الصعود على اكتاف فرائسه، او يتسلل بها الى اعتى المعاقل.
وخامس تلتهم عيناه وأذناه جسده.. وسادس يحمل دواة بلا حبر.. وسابع يتأبط كتابا بلا اوراق.. وثامن له نظارات ضخمة تسيخ في وجهه لكن بلا زجاج!
وتاسع يدلق الفضلات من جوفه ويدفعها بلسانه.. وعاشر شره يسرق كل ما تقع عليه عيناه الجاحظتان: حتى الألقاب ينتزعها، ويزرعها في سترته.. أحدهم ينسح أكذوبة سوداء متداخلة الخيوط، وآخرون ينطرحون حولها يقتاتون عليها.. جمع نفسه الشاردة.. حاول ان يعبر كل ما رأى.. وتمتم في سره: كائنات قذرة.. تملأ كل امكنتي.. تستغرق كل ازمنتي.. تعبث بكل حاجاتي .. الآن عرفت!!: لماذا كنت اجتهد فلا اجد؟!! وأزرع فلا احصد؟!! وقع في نفسه ان يفتك بهم: هم كثير.. كثير.. يكفي لربادتهم جميعا مبيد حشري.. انهم حشرات مؤذية.. متلونة.. بغيضة.. منتنة.. لها وجوه الناس.. وقامات البراغيث.. يلبسون مثلنا.. يتكدسون حولنا.. يخطفون سماءنا.. ينتهبون مقاعدنا.. يستحوذون على اسمائنا.. ويقهقهون!! لا.. لا بل سأسكب عليهم مظهرا مركزا كما اسكبه في المرحاض.. انهم يخشون الطهارة.. يمقتون النظافة.. المهمة أصبحت سهلة الآن، اصبحت اراهم بعيني رأسي.. «ردد بصوت خفيض» يا لها من كائنات!! حقيرة.. مزعجة.. رائحتها المنتنة تسد انفي.. طعمها المر يسكن حنجرتي وصدري.. كائنات فضولية.. نهض مذعورا.. نفض الوسادة.. عرف انه كان يحلم.. ملأ رئتيه بالهواء النقي حاول النوم بارتياح هذه المرة.. حمد الله على انه رآها على حقيقتها، ولو لمرة واحدة في حياته..
+++++++++++++++++++++++
* كاتب وأكاديمي سعودي، يكتب القصة
+++++++++++++++++++++++
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|