الحداثة تتآكل .. نقاد حول حكاية.. (حكاية الحداثة في المملكة)
|
* تحقيق سعيد الدحية الزهراني:
لو لم يحسب لكتاب الأستاذ الدكتور عبدالله الغذامي أستاذ النقد والنظرية بجامعة الملك سعود كلية الآداب الذي صدر مؤخراً عن المركز الثقافي العربي بعنوان حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية سوى تحريك هذا السكون الموحش الذي يلف المشهد الثقافي والأدبي لكفاه. فضلا عن ان الرجل يؤرخ لحقبة أدبية معرفية ليست باليسيرة.
والمتابع للصحافة الأدبية يدرك حجم ما أثاره كتاب د. الغذامي مؤخراً. وحول هذه الاثارة تطالعكم (الثقافية) بهذا الاستطلاع الذي شارك فيه كل من الدكتور عالي القرشي والدكتور عبدالله المعيقل والدكتور صالح الغامدي والدكتور حسين المناصرة والأستاذ عثمان الغامدي.
إعلان مواقف
جاءت مشاركة الدكتور القرشي موضحة لسبب الخلاف الذي أثاره كتاب الغذامي حيث قال:
يبدو لي ان المسألة لا تؤخذ بهذا الشكل الذي طرحته في سياق حديثك.
وذلك لأن الذي أراه من خلال الحوارات مع الدكتور عبدالله الغذامي هو ان المسألة مسألة إثبات وجود أشخاص في الحركة ونفي أشخاص آخرين.
فالمسألة إذن ليست ضد ما كان يظهر في الحداثة في تلك الفترة سواء في نصوصها أو نقدها أو خطابها عامة، ولكن الذي يظهر لنا الآن ما هو إلا محاولة للتذكير بمكان وجود لهذا الشخص أو ذلك.
وبعضهم يعلن عن مواقف لم تكن ظاهرة في تلك الفترة وها هو يصرح بها الآن.
ويضيف د. القرشي قائلاً: الذي حدث هو ان التغيرت التي مرت بها المنطقة وبلادنا أيضا جعلت الحوار الثقافي ينكفئ عن التطور إلى الحداثة.لكني ومن وجهة نظر أخرى ولعلي أكون متفائلاً معها أقول ان ظهور أو وجود نافذة الحرية في الطرح والحوار يبدو لي انها ستساعد في ظهور نصوص ونوافذ إبداعية وفكرية جديدة وفاعلة.
ولعل ما يمارس في المنابر الفكرية والمؤسسات الصحفية خير دليل على ذلك.
هذا ما أراه وأتمنى ألا تأخذ الأمور مسارات أخرى هي في الحقيقة ليست مساراتها الصحيحة.
خلافات شخصية
أما الدكتور عبدالله المعيقل فقد أرجع سبب الخلاف الذي أحدثه كتاب (حكاية الحداثة في المملكة) ل د. الغذامي إلى أسباب شخصية بحتة وهو يتفق في هذا مع د. القرشي حيث يقول د. المعيقل:
لا أعتقد ان الحداثيين انقلب بعظهم على بعض بل أرى ان الخلاف القائم حول ما ذكرت وهو حول ما أثاره كتاب الدكتور عبدالله الغذامي وحول ما قرأناه في الصحف من ردود أقول: ان هذا الخلاف ليس بسبب الحداثة وأعتقد انه جاء بسبب أمور شخصية، ولو لم يظهر تحت غطاء الحداثة لظهر تحت غطاء آخر، فمن خلال ما قرأته في الصحف وأنا لم أقرأ الكتاب بعد (كتاب د. الغذامي) تبين لي ان هناك أسماء لا علاقة لها بالحداثة مثل الدكتور ابن تمباك.
وأضاف د. المعيقل مخففاً وطأة ما أثير مؤخراً حول الحداثة والحداثيين قائلاً: إن الخلاف بين المهنيين والمتخصصين أي أبناء المهنة الواحدة أو التخصص الواحد لا يعني الاختلاف على المهنة ذاتها أو التخصص ذاته، أي ان ذلك الخلاف لا يشمل أو لا يطال الأصول أو الأسس.
وعندما تساءلت (الثقافية) عن أثر هذا الخلاف على الحداثة أجاب الدكتور المعيقل بالقول: في نظري ليس هناك أثر، فالحداثة من عصر المتنبي وابن برد وهي بمعنى التجديد والتطوير والخروج عن التقليد وهكذا. لكني أريد ان أقول رأيي في الحداثة تحديداً وهو رأي أقوله وأردده منذ زمن وأعتقد به. فالحداثة أطلقناها في غير موضعها بل أخطأنا فيها. فلدينا تيار محافظ ولدينا تيار تجديدي. والتيار التجديدي ينطوي تحته الكثير فهناك التجديد في الشعر والنقد والقصة وغيرها.
كما أظهر الدكتور المعيقل مصادرته ورفضه لمصطلح (الحداثة) قائلاً: الحداثة أرى انها مصطلح قاصر وغير مقنع وغير مستقر وسطي ولا أستريح له لأنه لا يعبر عن التطورات في الإبداع والنقد.
واختتم د. المعيقل تصريحه ل(الثقافية) بمكاشفة كان نصها (أن الحداثيين استغلوا عددا من الشعراء في فترة معينة لتمرير بعض المفاهيم وعندما مرروها تخلوا عنهم).
مؤكداً أيضا على ان الخلاف القائم الآن إثر صدور كتاب د. الغذامي ما هو إلا خلاف لأسباب شخصية وليس ذا علاقة بالأساس (الحداثة).
حكاية مهمة
وتأتي مداخلة د. المناصرة مؤكدة على ان ما يدور الآن من إثارة وصدام لا يعد تآكلاً أو نحوه، واعتبرها جرأة تنتقد الأصدقاء قبل الأعداء، حيث قال:
لا يعني كتاب (حكاية الحداثة) للدكتور عبدالله الغذامي على أي تصور، تآكلاً في خطاب الحداثة أو ما بعده.. بقدر كونه إشكالية نقدية جديدة مهمة تنسجم مع تحول النقد مؤخراً إلى جمالية السرد النقدي السيري، فجاء الكتاب في صيغة حكاية (رواية)، وفيه أيضا بعد سيري (الشاهد على المشهد الثقافي أو الراوي البطل من منطلق المصطلح السردي)، وفيه الرؤية المحورية: الحداثة، بوصفها إشكالية نقدية امتلأت بها ثقافتنا الأدبية خلال النصف الثاني من القرن الماضي. وفيه الزمكانية المحافظة التي تنتج دوراً اجتماعياً رقابياً لا بد ان يؤثر على الشخصيات مهما تكن درجة الجرأة لديها. وفيه الجملة السلسة التي تجعلك تقف أمام كتاب نقدي سبك في لغة روائية (مشوقة) من نوع السهل الممتنع ... الخ.
وأي خطاب نقدي ينطلق من منظور الهدم البناء، هو في تصوري البداية الفعلية للنقد الحقيقي، ومن ثم فان ما نتصوره في الظاهر تآكلاً، قد يكون في عمقه ودلالاته العميقة تجديداً للخلايا، أو بناء للحمة الحقيقية في الحداثة أو في غيرها.. ومن هذه الناحية لا ينتقد الغذامي الآخر إلا بقدر انتقاده لنفسه، وكأن هذا الكتاب (حكاية الحداثة) هو في التصور العام مكمل لكتاب (النقد الثقافي)، وفي نهاية المطاف يعد الغذامي صوتاً جريئاً في نقد النقد، أو على وجه التحديد في نقد الناقد المتلقي، فما يحدث للأمة من هزيمة لا بد ان يكون الأدب والثقافة جزءاً من هذه الهزيمة.. من هنا تصبح ولادة (حكاية الحداثة) على المستوى العام للزمكانية العربية المعاصرة ولادة شرعية، لا ولادة تآكل، وفي ضوء هذا التصور يمكن ان ينتج الدكتور البازعي كتاباً، والدكتور السريحي كتاباً، والدكتور الزهراني كتاباً.. وأي آخر.. كتاباً في سياق الحكي النقدي السيري، ما دام لدى كل منهم تجربة نقدية تحمل هماً معاصراً معيشاً على طريقة السيرة الثقافية !!
لا خلاف على ما يمثله الدكتور الغذامي من صوت نقدي فاعل في الثقافة العربية المعاصرة، وهو ناقد يبادر إلى طرح إشكاليات نقدية كبيرة في كتب لافتة ومهمة.. ولا خلاف أيضا على ما يمثله الآخرون الذين انتقدهم من أهمية نقدية محلية وعربية، ولديهم كتبهم اللافتة المهمة.. لذلك تتشكل أهمية كتاب (حكاية الحداثة) من أنه ينتقد النماذج العليا في الثقافة النقدية المحلية، بجرأة تنتقد (الأصدقاء قبل الأعداء) إن جاز هذا التعبير وعلى هذا الأساس لا يمكن اعتبار النقد الذاتي داخل بنية الحداثة تآكلاً ما دامت الغاية من الحكي النقدي السيري تهدف إلى إعادة قراءة تجربة النقد والنقاد في المشهد الثقافي المحلي، وهذا في الحقيقة ما كان ينقص الساحة النقدية المحلية في التسعينيات، بعد ان كانت أكثر ثراء في الثمانينيات، لذلك يعد كتاب (حكاية الحداثة) بداية نارية صادمة لبناء حركة نقدية تنفتح على الجرأة ،والاختلاف ليس من اجل المزيد من (التشرذم ) وإنما من اجل البناء الثقافي الذي يتجاوز الذاتية والمزاجية التي قد يمارسها البعض، إلى أفق الحكمة والرؤية المستقبلية التي تطمح إلى ثقافة إنتاجية تلغي ثقافة الاستهلاك والتبعية والمجاملة !!
ما كتب في الصحافة إلى الآن يعد ردوداً أولية على (حكاية الحداثة) وهذه الردود لا بد ان تتبلور في غير مقالة للكاتب الواحد، وربما في كتب.. والمهم ان يلتزم الجميع بروح الحوار البنَّاء، وسياق الاختلاف الذي لا يفسد الود، وان يرى الجميع في هذا الحوار بعداً من الحوار العام الذي يهدف إلى تحسين وضع الأمة، وبناء المجتمع ثقافياً.. وأن يحذروا من الدخول في متاهة التآكل المتوقعة في سياق التشاؤم عندما يتحول الحوار إلى خلافات شخصية!!
وتأتي مشاركة الأستاذ عثمان جمعان شارحة لطبيعة الخلاف المثار حيث اعتبره نتيجة طبيعية متوقعة لتعدد القراءات حيث قال:
بداية أود الإشارة إلى أمر في غاية الأهمية وهي ان مثل هذه السجالات لا يمكن وضعها في خانة التآكل والتفتت، فمثل هذا الأمر يعد من وجهة نظري ظاهرة طبيعية بل هي نتيجة متوقعة لتعدد القراءات واختلاف الرؤى، وهذا قد يذكرنا بالبدايات التي ظهرت فيها حركة الشعر الحديث في الوطن العربي، خاصة في العراق، وما رافق ذلك من خلافات بين بدر شاكر السياب وصلاح عبد الصبور أو بين السياب والبياتي. وهي كما ترى مواقف فردية لا يمكن ان تحسب ضمن روح الحركة مما جعل تلك الخلافات، وإن كانت داخل الحركة، لا تؤثر على سيرها بل مضت في نجاحها، بمعنى ان الخلافات حينما تكون على تلك الشاكلة فإنما هي خلافات الأشقاء. أما ما تسميه تآكل الحداثة فهو أمر مرفوض لأن الحداثة ليست مجرد موجة يركبها الإنسان بل هي استجابة طبيعية لإيقاع العصر الذي نحياه، وهي موقف ورؤية وكل إنسان تشرب هذا المفهوم فإنه يعيش داخل إطاره وينظر من خلاله، ويتوقف الأمر على زاوية تلك الرؤية من أين كانت، كيف استطاع الإنسان ان يقرأها ويتفاعل معها، وما المقدار الذي يأخذه منها. وما قرأناه من آراء حول ما ورد في كتاب حكاية الحداثة يؤكد ما أقوله. وقد ذكر ذلك ألفن توفلر في كتابه صدمة المستقبل حينما صنف متلقي مثل هذه المستجدات إلى ثلاثة، وبيّن ان منهم من يسير مع الموجة دون ان يعترض على مستجداتها، ومنهم من يرفضها تماماً لكونها تختلف عن إرثه الذي ألفه، أما البقية فإنهم يأخذون مما استجد عليهم ما يناسبهم ويدعون ما لا يتناسب مع توجهاتهم ومعتقداتهم. ولعل الجدير ذكره هنا ان الساحة تجاوزت مثل هذه النداءات منذ زمن بل وأصبحت من الماضي.
وكون ان كتاب الدكتور الغذامي بعث مثل هذه الأمور فإن هذا لا يحسب ضمن التآكل، ولعل ما أوجد تلك النزاعات ان الدكتور عبدالله الغذامي يقف موقف القارئ الآن وفق نسق معين وله الحق فيما يقول كما للآخرين حق الرد.
الوعي والخدعة
أما الدكتور صالح الغامدي فقد طالب أطراف الخلاف المثار بالرفق بأنفسهم وبالقارئ حيث قال:
تشهد الساحة الأدبية والثقافية هذه الأيام ظهور بعض الكتابات والأقوال السجالية بين بعض مثقفي المملكة تبتعد عن روح النقد العلمي الجاد، ويغلب عليها الطابع الشخصي البحت فالنيل من الآخر ومحاولة تحطيمه وإلغائه هو في رأينا الهدف الرئيس لكثير من هذه الكتابات والأقوال. وفي هذا استخفاف واضح بعقلية القارئ في بلادنا. فالقارئ عندنا ولله الحمد يتمتع بحس نقدي يمكنه من التميز بين القضة والغضة، أعني بين النقد العلمي الموضوعي الجاد (مهما كان قاسياً) لجهود رمز من رموزنا الثقافية وبين الرغبة الشخصية في الانتقام منه ومحاولة حجب الدور الفاعل الذي قام ويقوم به في ساحتنا الأدبية والثقافية. لذا نقول لأقطاب الساحة الأدبية والفكرية المتناظرة رفقاً بأنفسكم أولاً، ورفقاً بنا نحن القراء ثانياً، فنحن أوعى من ان نخدع بما تكتبون لطمس بعضكم بعضا.
تجدر الإشارة في ختام هذا التحقيق إلى ما ذكره فضيلة الشيخ صالح اللحيدان في محاضرة (الأحكام ونقد الروايات)حيث ذكر ان د. الغذامي أديب وناقد جيد لولا انه يقحم نفسه في مناقشات نقدية تحتاج إلى التأصيل طويل النفس مع عدم ذكر أسماء الذين يريد نقدهم لكن يكفيه حكاية ذات الأمر المُنْتَقَد (بفتح القاف) دون إيراد اسم ما، خاصة (والغذامي) في مطارحاته فيه جرأة قد تقوده إلى حال عكسية منتكسة خلال الأيام لا سيما دخوله فيما هو في غنى عنه، أصلح الله شأنه ورفع قدره.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|