العرب والعربية في عصر الثورة الحاسوبية
|
تأليف: فداء ياسر الجندي
دمشق: دار الفكر، 2003.
تتطور الثورة التقنية والحاسوبية اليوم بسرعة لا تصدق، ومن لم يدرك ركبها فقد نعت بالتخلف فرداً وأمة وعليه فقد صار اللحاق بركب هذه الثورة ضرورة ماسة، وليس ترفاً ثقافياً كما يدعي البعض.
وهذا الكتاب يحاول تحديد موقعنا من هذه الثورة، ويبحث في وسائل اللحاق بها، ويستعرض ما لدينا منها، وما يواجهنا حولها من تحديات..
قسم المؤلف كتابه إلى ستة أبواب، تناول فيها على التوالي العناوين التالية: تحديات عصر الحوسبة، من أجل أبنائنا، لغة الضاد تقتحم عصر الحوسبة، البرمجيات العربية: شؤون وشجون، نحن والشبكة العالمية، مواقف ومناسبات.
من الكتاب: أبو محجن الثقفي شاعر وفارس عربي مسلم مغوار من بني ثقيف، له في كتب التاريخ قصة مشهورة، وهي أنه كان واحداً من أفراد جيش القادسية بقيادة سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، غير أنه كان مغرماً بالخمر، وأقيم الحد عليه مرات عديدة قيل: إنها سبع، حتى ضاق به سيدنا سعد ذرعاً وأمر بحبسه.
فلما نشبت معركة القادسية، وسمع هيعة الحرب وصلصلة السلاح وهو في السجن، ندم على ما فرّط، وشعر بضيق شديد لأن الواجب دعاه فلم يتمكن من تلبيته، فقال أبياتاً من الشعر يتحسر فيها على حاله، ويعبر عن أسفه الشديد، لأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً في هذه المعركة الفاصلة، ومن هذه الأبيات:
كفى حَزَناً أن تلتقي الْخَيْلُ بالقنا
وأُتْرَكَ مشدوداً عليَّ وِثَاقيا
يُقَطِّع قلبي حسرةً أن أرى الوغى
ولا سامعٌ صوتي ولا من يَرَانيا
وأن أشهدَ الإسلام يدعو مُغَوِّثاً
فلا أُنجدَ الإسلام حينَ دعانيا
إلى أن يلتفت إلى زوجة القائد سعد ويناشدها أن تطلق سراحه ليشهد المعركة معلناً توبته:
سُلَيْمى دعيني أروِ سيفي من العدا
فسيفيَ أضحى وَيْحَهُ اليومَ صاديا
دعيني أَجُلْ في ساحةِ الحربِ جَوْلَةً
تُفَرِّجُ من همّي وتشفي فؤاديا
وللهِ عهدٌ لا أَخيسُ بعهده
لئن فُرِّجت أَنْ لا أزورَ الحوانيا
فأطلقت سلمى سراحه، وانضم إلى إخوانه المجاهدين، وأبلى أحسن البلاء وهو ملثم، لكي لا يعرفه سعد فيعيده إلى السجن، حتى إن بعض أفراد الجيش ظنوه مَلَكاً أرسله الله غوثاً وعوناً لشدة بلائه واستبساله، وعندما عرف سعد قصته بعد المعركة، أطلق سراحه مكافأة له، وأعلن أبو محجن توبته ليعود إلى الجيش جندياً صالحاً باسلاً.
أما أبو محجن (الشبكي)، فهو يمثل شريحة من آلاف الشباب العرب والمسلمين، كانوا يدخلون إلى الشبكة العالمية، فيمضون أوقاتهم في منتديات الحوار، في دردشات لا طائل من ورائها إلا إضاعة الوقت والمال، ويزورون من المواقع ما لا ينبغي أن يزوروه، حتى إذا سمعوا هيعة الانتفاضة، وشاهدوا دماء شقيقهم محمد الدرة وأقرانه تسيل كل يوم على أرض فلسطين المقدسة، تحرك من نخوتهم وشهامتهم ورغبتهم في الدفاع عن شرف الأمة ومقدساتها، مثل ما تحرك في نفس أبي محجن الثقفي عندما كان سجيناً، فأداروا ظهورهم لمواقع اللهو والدردشة الفارغة، كما أدار سلفهم الثقفي ظهره للخمر وللهو، وانضموا إلى إخوانهم الذين لا يستخدمون الشبكة إلا فيما يفيد، وشكلوا معهم جيشاً إلكترونياً عرمرماً، أذاق المواقع الصهيونية الأمرَّين، وإذا بالقصف الإلكتروني يأتيها من حيث تدري ولا تدري، فأصيب العديد منها بالشلل.
ومنها على سبيل المثال مواقع مكتب رئيس الوزراء الصهيوني والكنيست ووزارة الخارجية ووزارة المالية وغيرها، حتى إن بعض الصحف نقلت نداءات يائسة من الصهاينة، ومنهم عضو الكنيست (ميخائيل إيتان) تطلب وقف إطلاق النار الإلكتروني.
لقد أوردت صحيفة (فايننشال تايمز) اللندنية خبراً عن هذا الموضوع أنقل بعضاً منه بنصه كما ورد مترجماً في صحيفة الخليج الإماراتية في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر)2000: مثلما تمكنت الانتفاضة وتظاهرتها العظيمة من تحدي آلة الجيش الإسرائيلي المدجج بأحدث أنواع الأسلحة بالحجر، فإن المهاجمين العرب يرغبون في تحدي إسرائيل المتطورة تقنياً، بالشيفرة الإلكترونية والفيروس، وفي نقاش جرى على أحد المواقع العربية، وصف المناقشون العرب هذا الأسلوب في شل المواقع العدوة النشطة، ومهاجمة الأجهزة والشبكات العدوة، في عقر دارها، وقال أحد هؤلاء العرب: (إنها فكرة جيدة فإن ذلك سيؤدي إلى التأثير على الاقتصاد الصهيوني)، وقبل أن يلتهب نقاش الموقع العربي، قال أحد المشاركين العرب في النقاش مفسراً دوافعه وراء هذه الأفعال: (إننا جميعاً نشعر بالحزن والغضب، ولكنا لا نستطيع الذهاب إلى الحرب مع أشقائنا هناك في فلسطين، فلماذا لا نستخدم براعتنا للهجوم على هؤلاء الأوغاد بأدمغتنا).
هذا ما نقلته صحيفة الفايننشال تايمز، وهو خبر يتحدث عن جانب واحد من جوانب الاستنفار الإلكتروني الذي تشهده ساحاتنا الشبكية، ولهذا الاستنفار جوانب أخرى عديدة، منها تبادل الصور والأخبار عبر الشبكة ومن ثم تعميمها على أكبر قدر ممكن من المواقع العالمية، وذلك ليعلم العالم مدى بشاعة الجرائم الصهيونية، ومنها تعميم الرسائل الإلكترونية بين أبناء العرب والمسلمين للدعوة إلى مقاطعة البضائع الصهيونية والأمريكية، ولفضح الشركات والمؤسسات التي تمارس التطبيع مع العدو الصهيوني، ومنها إرسال الرسائل الإلكترونية إلى منظمة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان وإلى البيت الأبيض، حيث تم جمع الآلاف من التواقيع الإلكترونية على رسائل تفضح الممارسات الصهيونية، ومنها ما قام به العديد من الأشخاص والمؤسسات والهيئات والجمعيات والجامعات، حين أنشأوا العديد من المواقع الجديدة على الشبكة العالمية، يشرحون فيها للعالم عدالة القضية الفلسطينية، وبطلان المزاعم الصهيونية، وبشاعة الجرائم التي يرتكبها الصهاينة بحق شعبنا الفلسطيني وبحق الإنسانية، ومنها الدخول إلى منتديات الحوار المشهورة التي يعيث فيها الصهاينة فساداً وينشرون أباطيلهم المسمومة، ثم فضح زيف ادعاءاتهم وأكاذيبهم المكشوفة، إلى غير ذلك من مظاهر الحرب الضارية التي تدور رحاها عبر الشبكة العالمية، ويحقق فيها أبناؤنا كل يوم نصراً جديداً.
يقع الكتاب في ( 272 ) صفحة من القطع العادي.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|