مختارات من القصة الإسبانية في العصر الذهبي
|
ترجمة: محسن الرملي
دمشق: دار الدون كيخوته 2003م
يحتوي هذا الكتاب على خمسين قصة قصيرة لأربعة عشر كاتباً إسبانياً من العصر الذهبي حيث قام هؤلاء بالتأسيس الأول للقصة الإسبانية بعد أن استفادوا مما ترجموه من القصص العربية والشرقية إلى لغتهم.
وتمتاز هذه القصص المختارة بتنوعها على أصعدة الشكل والمضمون فنجد بينها ما يهدف إلى الامتاع وآخر للتعليم وطرائف ومواقف وتاريخ وخرافات وحكمة وغيرها مما يمزج بين الواقع والخيال، بحيث ان قراءتنا لهذه القصص تمنحنا تصوراً كاملاً عن طبيعة المناخ القصصي في تلك المرحلة.
هذا المناخ الذي نتجت عنه لاحقاً أول وأهم رواية في العالم.. ألا وهي (دون كيخوته) لميغيل دي ثربانتس.
يقول مترجم هذه الأنطولوجيا الكاتب العراقي الدكتور محسن الرملي في معرض تقديمه لها: من بين الوظائف الكثيرة لأدب شعب ما، هي مساهمته الفاعلة في صياغة هوية ذلك الشعب عبر العمل على تسجيل خصائصه الثقافية ومحاولته للقيام بدور طليعي في تطورها، وكذلك عبر تمثيله لها كواجهة وأفق تعريفي أمام ثقافات الشعوب الأخرى.. لذا فليس من المستغرب أن يتم إطلاق تسمية (العصر الذهبي) على مرحلة زمنية لمجرد أن الحركة الأدبية قد ازدهرت فيها وصارت أبرز معالمها.. هذا ما حدث في إسبانيا التي مازالت تدين بهويتها الثقافية لأدبائها في القرنين السادس والسابع عشر.. حيث تطلق تسمية (العصر الذهبي) أو (القرن الذهبي) تحديداً على النصف الثاني من القرن السادس عشر والنصف الأول من القرن السابع عشر.
ويُبرر المختصون هذه التسمية بفضل بروز أدباء كبار في تلك المرحلة لم يسبق وأن ظهر كتاب بمستواهم من قبل.
ويمضي الدارسون في تصنيفاتهم لتقسيم القرن الذهبي إلى عصرين هما: (عصر النهضة) و(العصر الباروكي) حيث إلى جانب ازدهار الفنون الأخرى كالرسم والموسيقى وبزوغ حركات فكرية وإنسانية، كان الأدب (شعراً ونثراً) هو في القمة من كل ذلك بحيث ترك أعمالاً رائدة وتأسيسية خالدة لكل ما تلاها من التيارات الأدبية على الصعيدين الإسباني والعالمي، ومازالت هذه الأعمال حاضرة في الواجهات الأولى للمكتبات منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، حيث لا تخلوا منها رفوف مكتبة أي قارئ للأدب..
وربما تكفي الإشارة للدلالة على ذلك ذِكرنا لعمل واحد، جاء كنتاج لأدب تلك المرحلة، ألا وهو (الدون كيخوته) لميغيل دي ثربانتس.
وإذا كانت قراءتنا لقصائد شعب ما تمنحنا الفرصة للاطلاع على نوعية الذائقة الجمالية واللغوية لذلك الشعب، وتحسسنا لطبيعة مشاعره وهواجسه وأحلامه وصيغ تعبيره عن ردود أفعاله وتصويره لرؤيته لذاته ولأرضه وللآخر، فإن النثر هو الوجه الآخر لهذه العملة الأدبية أو المشهد الثقافي حيث تقدم لنا الأعمال المسرحية والقصصية صورة واسعة عن الأفكار وطبيعة العلاقات الإنسانية وتصف تفاصيل الهموم اليومية والمناخ العام والأحداث التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، تصف لنا طبيعة القيم والسلوكيات والأفراح والأحزان ونوعية الملبس والمأكل وطريقة التحاور.. وبالنهاية ترسم أمامنا بانوراما شاملة تعيننا على فهم تركيبة وتاريخ الذهنية الثقافية لهذا الشعب وبالتالي فهمنا لهويته الحاضرة.
وهنا لابد أن نشير إلى دور الحضارة العربية الإسلامية وريادة الثقافة والأدب العربي وعظم دوره في التأسيس والمشاركة في بناء الحضارات والآداب الأخرى، والإسبانية منها بشكل خاص.
وهذه التأثيرات هي ما سوف نلاحظه بأنفسنا على صعيد القصة عند قراءتنا لهذه المختارات من بدايات القصة الإسبانية، حيث نجد فيها ما اعتدنا عليه في كلاسيكيات أدبنا العربي من الحكايات والطرائف والمواقف والأحداث التاريخية والخيال الشعبي والأهداف الوعظية والأخلاقية وقصد المتعة، والتأسيس على معطيات أو شخصيات حقيقية، وطبيعة السرد من حيث التكثيف والحوار وحضور أنا الكاتب والخلاصات التعليمية.. وما إلى ذلك..
وهنا نعرض بإيجاز صورة لمسيرة القصة الإسبانية لندرك من خلال ذلك بأنها قد بنيت أساساً على قصص وصلت إليهم بفضل ترجمتها من العربية وبشكل خاص أعمال مثل (كليلة ودمنة) و(سندبار) ومن بعدهما جاءت أعمال أخرى مثل (طوق الحمامة) و(ألف ليلة وليلة) وغيرها.
لقد ظهرت القصة الأدبية الإسبانية في أحضان القصة الشعبية التقليدية، وكمثال بارز على ذلك هو كتاب حكايات (الكونده لوكانور) لدون خوان مانويل أول مجموعة قصصية إسبانية حيث إن كل قصصه تقريباً مستوحاة من حكايات أخرى ذات أصل شعبي شرقي مثل (كليلة ودمنة) وأخرى شعبية أوروبية.
في أحيان أخرى يستعمل المؤلف الأدبي موضوع أو ثيمة الحكاية الشعبية كي يخلق وفقها حكايته الخاصة والجديدة.
ومثال ذلك القصة التي نضمنها في هذه المجموعة (التاريخ الحقيقي للملك دون رودريغو مكتوباً من قبل العالِم المُعلِم أبو القاسم طريف بن طارق من أبناء أمة العرب) والتي تنتمي في أصلها إلى الفلكلور الشعبي في شبه الجزيرة الإيبيرية وتم استيحاؤها لأكثر من مرة من قبل الكثير من الكتاب الذين أعادوا صياغتها بأساليبهم ورؤاهم الخاصة.
في شبه جزيرة إيبيريا وخلال العصور الوسطى نجد أربع مجموعات قصصية مهمة جداً وهي: (كليلة ودمنة)، (سندبار)، (بارلام وخوسوفات) و(ديسثيبلينا كليريكاليس).
وهذه الأخيرة هي مجموعة تتكون من 34 قصة من أصول شرقية وقد كتبت باللغة اللاتينية في القرن الثاني عشر من قبل الإسباني المتنصر بيدرو الفونسو. وهي ذات طابع وعظي وموجهة إلى الأمراء والحكام بشكل خاص مسدية لهم النصح في كيفية إدارة الحكم والتعامل مع الشعب.
فيما أن العملين الآخرين (كليلة ودمنة) و(سندبار) هما مجموعتان قصصيتان مترجمتان عن اللغة العربية وهما من الكتب التي تضم بين دفتيها حكايات شرقية عربية وأخرى من أصل هندي أو فارسي.
لقد تمت ترجمة (كليلة ودمنة) لأول مرة بأمر من الفونسو العاشر في أواسط القرن الثالث عشر، وفي تلك الفترة أيضاً تمت ترجمة (سندبار) بأمر من دون فادريكه ابن فرناندو الثالث، ومثلما هو حال الأعمال السابقة فإن (سندبار) تحمل الوصايا في الحكم إلى الأمراء، هذا ولم تكتف الترجمة بالنقل وإنما قامت أحياناً باختلاق حكايات إضافية شبيهة ومكملة وأبطالها أمراء عرب.
أما العمل الرابع (بارلام وخوسافات) فهي مجموعة قصص هندية وصلت إلى القشتالية عن طريق ترجمة إغريقية.
هذه الأعمال الأربعة قد حظيت بأهمية كبيرة خلال العصور الوسطى وهي التي كانت القاعدة الأصلية والأولى التي تم عليها تأسيس كل ما جاء بعد ذلك من الأدب القصصي.
في إسبانيا كانت أول مجموعة قصصية مهمة هي (الكونده لوكانور) ومثل غالبية كتاب العصر الوسيط فقد كان مؤلفها دون خوان مانويل يهتم بالجانب التعليمي الوعظي في قصصه أكثر من تركيزه على أصالتها الابتكارية الإبداعية، ذلك أن غالبية قصص هذه المجموعة يمكن الاستدلال بسهولة على أصولها سواء أكانت في مجاميع القصص العربية والشرقية المترجمة أو في الحكايات الشعبية السائدة آنذاك.
ولكن الجديد فيها قد كان في عملية التدوين ذاتها، وفي تجربته الخاصة لتقنية (قصة القصص) أو ما يمكننا أن نسميه ب(القصة الإطار) وهو أمر شبيه بمجموعة (السندبار) مثلاً.
حيث ابتكر دون خوان مانويل شخصيتين وهما: الكونده لوكانور ومربيه الحكيم باترونيو اللذان يمنحان المجموعة وحدتها القصصية والموضوعية المبررة لتجميع عدة قصص مختلفة الأصول والمناخات. جمعها المؤلف الإسباني وضمها مع بعضها ضمن حبكة أو تقنية مقبولة، حيث يختلق الكونده مشكلة لمعلمه باترونيو الذي يسوق بدوره حكاية ما، تتضمن الحل العقلاني والحكيم لهذه المشكلة، وهذا أمر يتيح لدون خوان مانويل أن يُحمّل ويستخرج من هذه الحكايات الرسالة التعليمية ذات الطابع الأخلاقي والوعظي العام وحكمة يتم استخلاصها في نهاية كل حكاية يقوم المؤلف بصياغتها في بضعة أبيات شعرية.
في أواسط القرن الخامس عشر ظهر كتاب (الكرباج أو زجر النساء) ومؤلفه هو الفونسو مارتينيث دي توليدو رئيس كهنة تاليبيرا.
ظهر هذا الكتاب القصصي وسط مناخ مفعم بمعاداته وبغضه للنساء كان يسود عموم العصر الوسيط، وإن كان البعض يرى في هذه القصص غير ذلك ويفسرها على أنها تمثل نوعاً من جنون الحب أو الحب المجنون الذي كان يحدث آنذاك.
إن جدة المواضيع أو أصالة هذه القصص لم تكن راديكالية وخالصة تماماً، فهي قد جاءت ضمن تيار حكائي شعبي كان شائعاً في أوروبا آنذاك وله الكثير من حكاياته وقصصه المتداولة. ولكن الجديد في هذه القصص هي التحديث في الأسلوب الذي ساعد على التأسيس والتمهيد لظهور تيار قصصي جديد سيكون هو بدوره المؤسس للقصة الحديثة فيما بعد.. أي مهد لظهور أعمال مثل (لاثاريو دي تورمس) و(ثلستينا).. وبشكل آخر ومدهش ظهور (الكيخوته).
يقع الكتاب في ( 130 ) صفحة من القطع العادي.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|