قصة قصيرة مُضِيٌّ على شطِّ الفتون عبدالله النصر
|
كأس يثمل به زوايا الصمت.. وخطواته في عيني وعلى صدر البلد وفي بصيرة الملأ، واثقة مطمئنة مثل سهم مسدد صوّب نحو هدفه بدقة.. رحل بالعقل الى جزر الدهشة.. فهو قافلةٌ من الألوان تحمل الى واحة من البريق.. أدمنتُ رؤيته كل حين.. حتى غرقتُ في هالاته المتدفقة بالهدوء، والوقار.. فشعرت بلظى الى شغف فتونه.. فصرتُ احاول الالتصاق به اشربُ من رحيقه.. بل أحاول الولوج تحت شرشفه بحمى كل خلية واعية تحملها جمجمتي أشفي به شيئاً من رغائبي.. كنتُ اتخيل وجودي معه بأنه سيجعلني أنثُّ رذاذاً نقياً عذباً.. ولذا لا أفتأ أنتجع عند بابه.. أُرهفُ السمع.. أسترقُ شيئاً مما تمليه عليه حريته.. واستشعر صوت أوراقه اللامعة حين تتجاذبها أنامله الحافظة، واتفصد غرابة من طريقة الجذب.. لكنني هذه المرة، افتح الباب عليه مقياس عيني دون طرق او استئذان، وكالزئبق ينزلق نظري إليه.. فتترنح في تجلياته.. ترتمس في مكانه المثقل والمضاء بالوعي والمبتهج بكيانه القمري.. أثناء ذلك عقلي غدا مشدوهاً، مجنوناً، فتحرك جسدي وفق قانونيهما.. ألتصق أكثر.. أرقبه جيداً.. فأرى شعاعاً يزاول معه مهنة التحرر من الأشلاء.. يرفع ارتال رأسه عن فراشه الوثير لمدة ساعات الوقوف الطويلة.. يصارع الظلمة بوميض كالشمس إذا بدا.. أرصد طريقة صعوده المطردة الخافية عني، والتي تكفي لان افهم سر تلك الثقة والاطمئنان اللذين ألهباني.. نازلتني قشعريرة الاقتحام.. لكني اقتحمت.. انتبه إليّ.. قلت متلعثماً مرتباً حروفي:
سيدي، اثارني خطوك، فجئت أنشد طريقته.
قال بثغر باسم.. بصوت متزن هادئ، وكأنه لم يرَ ما يفاجئه أو يزعجه أو يفسد خلوته:
حسناً، دعني أراك!
قال هذا تاركاً بياض من يزاول مهنته معه مجتذباً يدي بحنوٍ.. فتح الباب كله، فتمرغ عقلي في الجنون، وزورقي مضى على شط الفتون.. بل هاجرتُ في أمد روحي حتى صار للمنتهى جسراً.. صار لأروقة الشوق درباً.. حين شاهدتُ كل قمره الذي أغشى بنوره بصري.. أربهني الدخول.. عدت للوراء بضع خطوات.. فاجتذبني الى الداخل.. اغلق الباب.. ردد بابتسام:
لن أتركك تذهب ما دمت قد أتيت دون جسد!
قلت باندهاش جديد: أيها الوعي الواثق في الوجود، كيف شعرت بأني قد أتيت دون جسدي؟
لم ينبس، فقط تبسم واحتضنني عمراً طويلاً بكل الدفء.. بكل أنفاسه الطيبة.. فخف جسدي.. خف أكثر.. استرخت كل اجزائه.. طفا فوق بحره اللطيف الهادئ.. عانق النجوم مثقلاً بعناقيد الشهوة، وأما روحي بعد ان امتزجت بروحه كانت قد استقرت عند قاب قوسين او أدنى.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|