عصام خوفير حول ثقافة الطفل: أسباب عدة حالت دون ترغيب الطفل بالقراءة
|
في حوار مع الكاتب د.عصام خوفيرحول أدب الطفل في المملكةوالوطن العربي، أوضح أسباباً عدة حول ضعف الإنتاج الأدبي المخصص للطفل وأورد بعض الحلول لمعالجتها: 1 أسباب غياب أدب الطفل؟؟ أرجو أن يُسمح لي بالعودة إلى فاتحة رسالتكم حيث تقول الرسالة (يمثل أدب الطفل النواة الأولى حيث ينشأ محباً ومتألقاً مع الأدب). ومن هذه الحقيقة أبدأ إجابتي عن المحور الأول، وهو أسباب غياب أدب الطفل، ذلك أن الأديب مع بدء حياته التعليمية يتلقى تعليمه الأول في تعلمه القراءة. وهذه العملية عملية تعليم القراءة للطفل تمثل نوع الغذاء المعرفي وهي بمعنى آخر، مثل أول المخزون الثقافي الاستراتيجي للإنسان، فهل مناهج التعليم القائمة حالياً ومنذ آجال هل هذه كانت غذاءً جيداً لهذه المرحلة؟؟ يجيب عن السؤال المختصون والقائمون بمسؤولية نوع الغذاء المعرفي المعطى للطفل اسمح لي أن أعطي مثلا لغذائنا المعرفي حينما كنت في مرحلة التلقي الأولى بالمرحلة قبل الابتدائي (التحضيري ثم الابتدائي) . كنا نتعلم القراءة من كتاب كان يسمى (القراءة الرشيدة) وأظن كان واضعه هو أبي الروحي والثقافي المرحوم الأستاذ (أحمد السباعي) وكان عنوان الرسالة التعليمية في أحد موضوعات الكتاب هو (العنزتان) مع صورة تخطيطية لعنزتين تسيران في اتجاهين متعاكسين فوق جبل وعلى شفا جرف هار ولا يسمح مطلقاً إلا بمرور كائن واحد وكان الموضوع هو رسالة في التعاون لتفادي كارثة العناد والإصرار على الأولية في السير فاتفقت العنزتان على أن تمد إحداهما على أرضية الطريق الضيق فتمر الأخرى فوق جسدها الممدد على طرف الهاوية فتمر بسلام ثم الأخرى لتأخذ طريقها بسلام وتمر كل واحدة إلى سبيلها بسلام، فكان ذلك الموضوع درساً عملياً للتسامح والوفاق للحصول على سلامة الطرفين. كانت قراءتي هذه وأنا طفل صغير لم اتجاوز العاشرة من العمر فكان أن تعلمت الدرس ووعيته، وحدث بعد أربعة عقود من الزمن أن حدث ما يدل على مدى عمق ما تعلمته صغيراً، وطبقته عملياً ذلك أنني وقد بلغت الأشد أن تقابلت مع والدي الثقافي الأستاذ أحمد السباعي رحمه الله تقابلنا معاً في مبنى الإذاعة في ممر ضيق يؤدي إلى السلم هو في سبيله إلى الخروج وأنا في سبيلي إلى الدخول.. ومن باب المداعبة دعوته لأن كلينا أو أحدنا خير العنزتين، وأظنه نسي ما لم أنسه، فغضبت ضاحكا وأصر على أن يشتكيني أو يسشكوني إلى معالي الوزير، وقد كان ،فذهبنا معاً نصعد إلى مكتب الوزير (السيد جميل حجيلان) وكلانا يمسك بيد الآخر متضاحكين. وفوجئ الوزير الأديب بعودة الشيخ (أحمد) يصحبتي وكنت مدعواً إدارياً للمقابلة فبسط المرحوم شكواه ضاحكاً ومازحاً للوزير بعد أن أوضحنا الأمر وما ذكرت به أستاذي وأبي (المرحوم الشيخ أحمد السباعي) وسعد الوزير الأديب بتلك المفارقة ثم أردف مستشهداً بالمأثور من القول (التعليم في الصغر كالنقش على الحجر). معذرة لذكر هذه الواقعة وإنما كان هدفي هو الاستشهاد بما سبق أن ذكرت عن الغذاء التعليمي الذي كان يقدم للطفل، فاستشهد به بعد أربعة عقود وتلك إجابتي العملية على سؤال المحور الأول. إذ أردت القول على أن سبب غياب أدب الطفل هو غياب الرعاة وغياب نوع الغذاء التربوي المكون للمخزون الثقافي للطفل. والحديث الشريف يصدق قولي (كلكم راع، وكل راع مسؤول..) ولست ألوم الرعاة وحدهم المدرس والمدرسة ثم البيت وراعيه وإنما أشرك في الملامة هذا الكم الرهيب من كمية ونوع المناهج وتحميل الطفل على الحفظ دون الوعي حتى يصبح الطفل أشبه ما يكون بالحاسب الآلي الكمبيوتر (كم جم) بدون كيف منتج. هذا الكم الهائل من المعلومات ثم الكم الهائل من الواجبات المنزلية الدراسية، حالت دون ترغيب الطالب ممارسة القراءة الحرة التي تمثل اللبنات الأساسية للثقافة العامة والبذور الغذائية المنتجة لمحصول جيد عند الحصاد . ثم الطامة الكبرى المتمثلة في برامج التلفزيون والفضائيات وهي برامج هزيلة أشبه ما تكون بضريع لا يسمن ولا يغني من جوع وبرامج أخرى أشبه ما تكون طعاماً من غسلين. لعل هذا يكفي سبباً في غياب ما سألت عنه، و(إنا لله وإنا إليه راجعون). 2 هل الغياب مقتصر على المملكة أم أنه يشمل الوطن العربي كله؟ معذرة فلا أظنني مؤهلاً للإجابة عن هذا السؤال، إذ إن الإجابة تستدعي وجود دراسات أكاديمية تشمل استبيانات تعقبها إحصائيات يقوم بها مؤهلون علمياً وتربوياً ثم فرز هذه الاستبيانات والإحصائيات بما هو متعارف عليه وعلى من يقوم بها، وكما تعلمون فهناك في البلاد المتقدمة معاهد وأكاديميات تباشر كل ذلك لتقديم نتائج يستطيع الباحث أن يلجأ إليها ومن بعد تكون الإجابة علمياً لا عشوائياً ولا صحفياً. ومعذرة فلعله خانني حسن التعبير ومعذرة أيضا فأنا هنا لا أعمم كي لا أجدني معمماً . 3 الشكل الذي تتمنى أن يظهر به الطفل: لا أريد أن أكون متشائماً وما كنت من قبل ولكنني أجدني مسوقاً إلى ترديد قول الشاعر: تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ولقد كنت أرجو أن يكون السؤال هو: ما هي السبل لنربي الطفل على الوضع الذي نأمل. وللعلم والتفكير، ففي علوم الطب مقولة تقول (قبل البدء في العلاج أبحث عن اسباب حدوث المرض ثم أبعدها وأمحها ولذا أجدني التزاما بهذه المعلومة أطالب بالعودة القهقري لتطبيق ما ثبت بالتجربة العملية نجاحه كاستعادة الرعاة من مدرسين وأساتذة وإداريين بحيث يكونون آباء محببين لأبنائهم ولا أقصد حباً عاطفياً محضاً بل أقصد حباً تربوياً أما فاقد الشيء فلا ولن يعطيه واستعادة الكم والكيف في مناهج التعليم وخاصة في أولى مراحل التربية والتعليم. فما هو قائم حالياً هو حالة انفصام عميق بين الوسيلة والغاية وهذه محطة مهمة في سبيل إزالة الأسباب التي أدت إلى الواقع القائم. والمجال الآخر الذي يتطلب الإصلاح والاستعادة فهو البيت وأعني بذلك الأب والأم اللذين يمثلان المناخ التربوي للطفل، فحضورهما تربويا يمثل العمود الفقري في عملية استعادة الرعاة، إذ هما الجهاز العملي لحسن صياغة الطفل سواء قبل المرحلة التعليمية المدرسة أوبعدها بحيث يسيطر الحوار على جو الأسرة.. أما أن يكون الأب هو المسيطر فكرياً وما يقوله واجب السمع والطاعة والتنفيذ من جانب المخلوق الصغير الذي يتأثر بكل صغيرة وكبيرة تربوياً فيكون الحوار مع الطفل والاستماع لما يقول، والشرح المبسط لما يلقى إليه أو عليه من منع وحجب لتصرفاته وكيف يحسن أن نكون. هذان العاملان، إذا ما تحققا ضامنان لإزالة الشكوى الحالية وضامنان للعلاج المنشود. وختاماً أرجو أن أكون قد قلت ما يفيد وما أرجو أن يتحقق وإلا فدعوتي ودعونا نردد قول الشاعر:
منى، أن تكن حقا، تكن أحسن التي | والا، فقد عشنا بها زمنا رغدا |
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|