تعقيباً على قضية (البوهيمية والبوهيميون.. محلياً) خواطر على الوتر الحساس
|
يسمونها الحياة البوهيمية، وكلمة بوهيمية مرادفة عندنا للحياة البهيمية، أي أن يكون الإنسان فناناً وفوضوياً في وقت واحد، وأن يعيش حياته بلا نظام ولا ترتيب.
يفرط في صحته، يمارس أعمالاً منافية لصحته بل وأخلاقه باعتبار أنه فنان.. وأنه حر في التصرف بحياته كما يشاء، فيسهر في الليل، وينام نهاره كله، وهو لا ينام إلا بالحبوب المنومة، عندما يصحو يشرب الكثير من القهوة، ولا يتناول الطعام إلا قليلاً.
وكان كامل الشناوي رحمه الله أحد هؤلاء الفنانين البوهيميين، فقد كتب الأستاذ أنيس منصور في مجلة اليقظة الكويتية كيف كان كامل الشناوي يعيش حياته البوهيمية، فهو مدمن للميسر كما يقول أنيس الذي عاشره ويخسر آلاف الجنيهات، ثم لا يجد ما يشتري به رغيف العيش.
أي أن أنيس منصور فضح كامل الشناوي ميتاً وكشف ما يمكن أن يعتبر ستراً، وكامل الشناوي بالفعل فنان الكلمة والقصيدة الشعرية المشحونة بالصور الخارقة وهو الظريف الضاحك، وفي داخله بكاء شديد يداريه بالضحك، وتوضيب المقالب للذين يحبهم.
ومثل هذه الحياة تقتل صاحبها قبل أن يقتله المرض والحزن.. وقبل أن تقتله الصدمات العاطفية.. فبرغم شهرة كامل الشناوي المدوية، وحيثيته الفكرية والصحفية والاجتماعية، إلا أنه فشل في الحب..
قصيدته المشهورة (لا تكذبي) تشير إلى أنه كان يحب مطربة معروفة، كان يمكن أن تكون بمقام ابنته لو أنه تزوج مبكراً.
وهو سمين أكثر مما يجب..
وخدعته حبيبته وضبطها مع يوسف إدريس، متلبسة فكانت قصيدته لا تكذبي التي يقول فيها:
إني رأيتكما معاً
فدعي البكاء فقد كرهت الأدمعا
ما أهون الدمع الجسور إذا جرى
من عين كاذبة فأنكر وادعى
إني رأيتكما إني سمعتكما
عيناك في عينيه في قدميه في كفيه..
ويداك ضارعتان ترتجفان من لهف عليه
والقصيدة معروفة لأنها مغناة غناها عبدالوهاب، وعبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة، التي يقال إنها بطلة القصة والقصيدة معاً..
وفجيعة كامل الشناوي في حبيبته المطربة الكبيرة المعروفة تشبه تماماً فجيعة الشاعر الأندلسي ابن زيدون في حبيبته ولادة بنت المستكفي.
والفرق بينهما هو أن ابن زيدون الذي عاش في القرن الرابع الهجري في عصر ملوك الطوائف في الأندلس، لم يكن يحيا حياة بوهيمية فقد كان مسؤولاً حكومياً في دولة بني جهور، ثم وزيراً أولاً في عهد الطاغية اليطاش المعتضد بن عباد والد المعتمد، وكان يسمى (ذو الوزارتين).
خلاصة القول: إن كامل الشناوي قتلته مشاعره المغدورة به على حبيبته.. أما ابن زيدون فكان منظماً ومنضبطاً ومسؤولاً دبلوماسياً، فأنسته شواغله فجيعته في ولادة بينما كامل الشناوي ظل يتغص الحزن والآلام وينغمس في الحياة البوهيمية حتى مات مرضاً وكمداً.
مالك ناصر درار
كاتب صحفي جدة
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|