تيار الحداثة والنقد غير المبرر د. سلطان سعد القحطاني
|
وجدنا الخال ومدرسة (شعر) لم تقدم جديداً في مجال الإبداع، بعكس ما قدمته في مجال الترجمة. فالخال نفسه مقلد للشعراء الغربيين، في الشكل والمضمون ليس كشعراء الشعر الحر في العراق، نازك الملائكة وبدر شاكر السياب، وغيرهم في الوطن العربي، حتى وان قلد البعض منهم الشكل فإنه يختلف في المضمون. لكن هذا النمط من الشعر لم يتعد فيه الخال ومدرسته تقليد الشعراء الغربيين، أصحاب الحداثة بالفعل. إذن هو تقليد وليس إيداعا، ومثله شعر حمزة شحاتة، الذي درسه عبد الله الغذامي، ونقده الكثير. بل أعتبر من الكفر، لأن الغذامي درسه، أما قبل ذلك فلم يقل عنه أحد شيئاً. فشحاتة مقلد وليس مبتكرا، وإن كان شعره في مجمله جيدا. فذكر الآلهة الفرعونية (ايزيس) تقليد لغيره من الشعراء والكتاب المصريين، وكل من أولع بالتاريخ القديم، مع أن في التاريخ العربي صور أجمل من هذه الصور المعقدة، وليست المشكلة في ذكر الأساطير الوثنية أو غيرها، المشكلة في عملية التوظيف الفني. والشاعر شحاتة لم يوظف هذه الأسطورة في قالب فني مثلما وظفها توفيق الحكيم فنياً، كتراث فرعوني في زمن النزعة الفرعونية والبحث عن هوية شرقية، بعد فشل التغريب عند التنويريين، ثم تراجع عنها إلى التاريخ العربي الإسلامي، عندما كتب (محمد صلى الله عليه وسلم سيرة حوارية) سنة 1936م. لكن التقليدية غلبت على إنتاج الكثير فلم يبدع شيئاً جديداً. وهذا ما انتبه إليه النقاد ودارسو الأدب الحديث، فالدكتور عبد الحميد إبراهيم ينقد دراسة الدكتور الغذامي لشعر حمزة شحاتة، على أن شحاتة استعمل المصطلح الوثني في الكثير من شعره، وكأن شحاته جاء بالجديد الذي لم يسبق إليه، يقول: (ومن هنا لم تتوظف الأسطورة فنياً عند شحاتة، وجاءت كالبطاقة الخارجية تحمل مجرد اسم أو عنوان للقصيدة. إن كلمة (إزيس) تتساوى مع كلمة نفيسة وغيرها من أعلام وردت في شعره، وإن كلمة (إبيس) تتساوى مع كلمة عجل أو تيس..) ومهما يكن من أمر، فإن استعمال الأسطورة في الإبداع أمر بالغ الخطورة، فالرمز الأسطوري يشبه الحركة (الكاريكاتورية) تستدعي وراءها معاني كثيرة، وتفسيرات تقبل التأويل، وتحتاج إلى أعمال الذهن، مما يستدعي ثقافة واسعة من لدن المؤلف (المبدع). وإن خير منهج للناقد الا يكون له منهج. وهذا لا يعني اننا ندعو الى الفوضى في النقد، لكن ندعو الى عدم سيطرة المنهج على ذهنية الناقد فيقوده الى نوع من (الادلجة) ويغلق ذهنه عن بقية المذاهب النقدية، كما هي حال المذاهب المنغلقة. وان يفرق بين نقد الفنون. فالشعر والرواية والقصة القصيرة والفنون الجميلة، لكل منها منهج خاص، يأتي بعد ذوق الناقد. وتتحكم في هذه الحالات معرفة تامة بالمصطلح الذي يعالج فيه النص، والا يقدم على نقد نص حتى يعرف ما بداخله وكيفية قراءته في سياقه المعرفي، على انه صناعة من نوع معين من الصناعات. وهذا ما تنبه إليه الجاحظ، قبل أكثر من الف ومائتي سنة من الآن (ت 225868) حيث يرى أن المعاني مطروحة في الطريق (والمعنى نظير الفكرة) ويؤكد على شيء واحد في قوله (فإنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير). وهو يريد أن يقول لا يعالج هذا النسج إلا من له معرفة به. ويجدر بنا أن ندرك أن هذه الإشكالية إشكالية تاريخية عامة، وإن كانت ذات أهمية بالغة في وضعنا التاريخي الراهن، وفي الأوضاع التاريخية المماثلة. وقد حاول بعض الدارسين والنقاد معالجة هذه الأوضاع بشيء من التقريب والتوفيق بين معطيات الحياة الفكرية في القرن العشرين، مع الحفاظ على الهوية العربية. ولعل الاسباب العميقة، التي يمكن أن نفسر بها هذه الإشكالية تكمن قبل كل شيء في كون التاريخ الاجتماعي للبشرية، إنما هو تاريخ التفاعل المتبادل بين البنية المادية للمجتمع والبنية الثقافية التي تلازمها، من غير أن يكون هذا التلازم بالضرورة متوازيا على الدوام في كلتا البنيتين في آن واحد معاً. ومن هذا المنطلق يمكننا أن نبرر وجود التيارات الوافدة بالفراغ الفكري في العالم العربي، وعدم وجود نظرية ومشروع ثقافي محدد، فما تزال الأمة تعيش على نظرية الفكر الغربي، شاءت أم ابت. فكل المصطلحات الموجودة في لغة الصحافة اليومية والأسبوعية والشهرية، وحتى الحوليات العلمية، إضافة الى الحديث الثقافي العام، ما هي إلا منتج غربي، تختلف ترجمته من قطر عربي إلى آخر، قد يفهم حيناً ولا يفهم حيناً ولا يفهم في احيان كثيرة. فالحرية والديموقراطية وغيرها تترجم حسب الحاجة في أوقات معينة، وكلما اشتد الخطب لجأ العربي إلى الإسلام والشكوى من الممارسات الغربية، وعندما داهمته مظاهر الحضارة الغربية ولم يكن مستعدا لها، واجهها بشعور حاد من القلق والضياع، ولم يستطع معها استعادة توزانه، ولم يجد أمامه إلا التمسك بالتراث، والاعتصام بالماضي، حيث يجد فيه الطمأنينة والامان، كان هذا عند القليل من المفكرين العرب، أمام الغالبية، فقد قابلوا القلق بقلق مثله، وهم الكثرة الذين ورثوا التخلف وحافظوا عليه. فقد سبب مصطلح الحداثة والبنيوية والتفكيكية، اشكالات متعددة في الفهم، وعزا الكثير صعوبة فهمها الى الكفر بها وباصحابها، بناء على شخصية منتج النص وليس على النص نفسه، وصار يرمي كل جديد مبدع مفيد أو غير مفيد بالكفر والخروج على المذهب، واستعمل اللفظ النابي الذي لا يليق بالعالم والأديب، والتفت إلى الساقط من القول يعالج به القضية. ولا قضية بالفعل من وراء أعمال كهذه، فلا ما يسمى إبداعاً بإبداع، ولا ما يسمى نقداً بنقد، وتاه المتلقي بين هذا وذاك، ونسب كل شيء الى الحداثة مع انه تقليدي بالٍ.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|