الصحوة منصور الجهني
|
عندما تظهر مفاهيم أو مصطلحات جديدة.. لم تكن متداولة في مراحل سابقة من تاريخ المجتمع.. عادة ما تثير تلك المفاهيم إشكالات عديدة.. وقد تحتاج إلى وقت ليتم استيعابها وتأصيلها ضمن سياقات محددة وموضوعية.. وربما تمر عشرات السنين دون أن يتم ذلك.
هذه المفاهيم تظهر أو تتشكل في إطار التحولات التي يشهدها المجتمع، والتي غالبا ما تفرز ظواهر جديدة تحمل في طياتها خطابها الخاص وأدبياتها وحتى سلوكياتها ومظاهرها الشكلية والقيمية المختلفة، التي قد تترك آثارها على المجتمع وعلى الثقافة.. من خلال أنماط جديدة تتعلق بالسلوك، والتفكير وما إلى ذلك.. وهو ما قد يؤدي إلى نوع من الصدام داخل منظومة القيم الاجتماعية بكل مرجعياتها المتعددة.
ويكون نشوء الظاهرة بطبيعة الحال سابقا لتكوّن أو ظهور المصطلح الذي يعبر عنها ويختزل توجهاتها ومضامينها، ويشكل منطلقها وعنوانها.. والذي يأتي غالبا مثقلا ومحملا بدلالات واسعة تتيح مساحة أكبر للحركة والمناورة، وذلك بهدف اكساب المصطلح مشروعية معرفية أو ايديولوجية في إطار الفكر السائد، وفي ظل الحوار أو الصراع المفترض معه.
وبما أن المصطلح يعتبر عنوان الظاهرة أو الوعاء الذي يحوي مضامينها وتوجهاتها وأهدافها.. فإنه عادة ما يتم حشد أكبر قدر من الدلالات والمضامين الإيجابية داخل ذلك المصطلح.. لتوصيف الظاهرة والتعبير عنها ونشر مبادئها وأهدافها.. وهو ما قد يشكل لاحقا خطابا خاصا تتميز به وتحاول من خلاله التأثير على الآخرين.. استنادا إلى إيحاءات المصطلح والدلالات أو المفاهيم التي يشير إليها، والتي في معظم الأحيان قد لا تتطابق مع الواقع، ولا تعبر عن حقيقة الظاهرة كممارسة أو سلوك.
أقرب الأمثلة إلى ذلك مصطلح أو مفهوم (الصحوة) الذي يتم تداوله هذه الأيام بشكل كبير من خلال العديد من الكتابات الفكرية والدراسات التي تتناول بالتحليل والنقد هذا الموضوع.. واللافت أن معظم هذه الكتابات والدراسات على تباين توجهات كتابها ومرجعياتهم وأهدافهم، تتجاوز بحث العلاقة بين دلالات المصطلح اللغوية والمعرفية وبين تجلياته على أرض الواقع، حيث إن الجميع يتحدثون عما يسمى بالصحوة باعتبارها تياراً واضح المعالم، أو مرحلة تاريخية من مراحل تطور المجتمع لها سماتها الواضحة وبرامجها وأهدافها وما إلى ذلك.. وهو ما قد يبدو ليس صحيحا فيما لو تم تناول هذا الموضوع بشكل منهجي يستند إلى الوقائع والبحوث الميدانية.. بعيدا عن المواقف العاطفية المسبقة مع أو ضد، خاصة وأن هناك الكثير من المظاهر السلبية سواء المتعلقة بالعنف أو التكفير وغير ذلك والتي تشكلت في إطار تلك الحالة.. ومن هنا أخلص إلى تساؤل قد يكون صادما للبعض، لكنه يبقى مجرد تساؤل مشروع من قبل قارئ يتابع كل تلك الكتابات.. هل هناك بالفعل صحوة إسلامية؟
هذا التساؤل قد يضعنا في دوامة لا تنتهي من التساؤلات في هذا الاتجاه، ربما أولها مشروعية التسمية ومدى دقة تعبيرها عن الحالة المراد توصيفها، ثم هل يمكن الحديث عن صحوة إسلامية بالمطلق موحدة البرامج والأهداف في ظل التناقضات المعروفة بين المذاهب والطوائف، أم أن هذه الصحوة تعمل حقيقة على تأجيج الخلافات وإحياء الفتن بعد أن كانت نائمة أو على الأقل ناعسة؟.. وهو ما قد يبدو أكثر وضوحا من خلال واقع الحال.
ربما (الصحو) يعني لا حرفيا الإفاقة بعد نوم عميق.. وفي موضع أو قاموس آخر الخروج من غيم كثيف أو سكر.. فهل كانت هذه حال مجتمعنا قبل أن تتشكل تلك الحالة وتوقظنا، أو تعيدنا إلى الصحو؟.. هذا ما يفضي إليه المصطلح عند تأمله.. وهو ما يعني أنها تنطلق من مبدأ قد لا يكون صحيحا بدلا من توصيف آخر.
ما هي المقدمات التي قادت أو أدت إلى هذه المرحلة بكل إيجابياتها وسلبياتها؟.. نحن نعرف، أو تحديدا نقرأ أن المرحلة السابقة للصحوة كانت هي الطفرة، وذلك وفق التقسيم الجديد لتاريخ مجتمعنا.. فيما هي العلاقة بين المرحلتين.. وهل أدت الأولى إلى الثانية؟ هذا سؤال عارض
.. لكن يبقى السؤال الصعب وهو إلى أين ستقودنا مرحلة الصحوة ؟.. خاصة وأنه ليس بعد الصحو إلا النوم أو السبات.. لذلك ربما من الأفضل القول إن مرحلة الصحوة لم تأت بعد.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|