بِكَ اللهُ يَا رَبَّ الخَلِيْقَةِ أُؤْمِنُ
وَأَدْعُوكَ وَالدُّنْيَا وَرَائِي تُؤَمِّـنُ
بِأَنْ تَحْفَظَ العُرْبَ احْتِوَاءً بِوحْدَةٍ
تُعَالِجُ ضَعْفاً مُنْهِكًا وَتُمَكِّنُ
أُولَئِكَ أَحْفادُ الأُلَى نَشَروا الهُدَى
وَكَانَ لَهُمْ فِي القَادِسَيِّةِ مَوْطِنُ
بِهَا فَتَحُوا أَرْضَ العِراقِ وَشَرْقَهَـا
بِهَا هَزَمُوا الفُرْسَ المَجُوسَ فَأَذْعَنُوا
فَكَيْفَ بِهِمْ فِي عَصْرِنَـا قَدْ تَفَرَّقُوا؟
فَكُلُّ فَرِيْقٍ فِي التَّشَرْذُمِ يُمْعِنُ
تَغَلْغَلَ فِيْهُمْ حَاقِدٌ وَمُحَرِّضٌ
مِن الفُرْسِ بِالتَّمْزِيْقِ حَتَّى تَمَكَّنُوا
وَقَدْ وَجَدُوا عَونًا مِن الغَرْبِ حِيْنَمَا
رَأَوا أَنَّهُمْ فِيْمَا أَرَادُوه أَجْبَـنُ
مَعاً نَشَرُوا لِلطَّائِفِيَّةِ مَنْهَجًا
بِه العُرْبُ فِي صَرْحِ العُرُوبَةِ تُشْحَـنُ
فَذَلِكَ شِيْعِيٌّ يَظُنُّ بِأَنَّه
أَحَقُّ مِن السُّنِيِّ حُكْماً وَأَمْكَنُ
وَذَلِكَ سُنِّيٌّ يَضِيْقُ بِشِيْعَـةٍ
فَيَسْعَى جِهَادَ الدَّفْعِ كَي يَتَسَنَّنُوا
فُكُلٌّ سَعَى كَي يَظْلِمَ الآخَرَ الَّذِي
يُخَالِفُه فِي الفِقْهِ فَهْماً وَيَلْعَنُ
وَمَا تِلْكَ إلاَّ فِتْنَةٌ صَفَوِيَّـةٌ
بِهَا العُرْبُ فِي أرضِ الفُرَاتَيْنِ تُفْتَـنُ
بِهَا انْقَادَ نُورِيْ المَالِكِيُّ صَنِيْعَةً
لِطَهْرَانَ تَنْفِيْذاً يَغِيْظُ وَيُحْزِنُ
لِكُلٍّ مِلِيْشِيَّاتُه وَسِلاحُـهَـا
عِصَابَاتُ ظُلْمٍ فِي الظَّلامِ تُكَوَّنُ
أَمَا مِنْ حَكِيْمٍ فِي العِرَاقِ وَحِكْمَةٍ
تُجَنِّبُه سَفْكَ الدِّمَاءِ فَتُحْقَـنُ
أَمَا مِنْ سِيَاسِيٍّ غَيُورٍ مُحَنَّكٍ
يُشَخِّصُ وَضْعاً فِي العِرَاقِ وَيَفْطَنُ
لِمَا أَفْرَزَتْه الطَّائِفيَّةُ فَاحْتَفَتْ
بِه الفُرْسُ خُبْثاً دَافِعاً تَتَبَيَّـنُ
يُصَحِّحُ وَضْعاً إذْ يَقُودُ مَسِيْرَةً
تُحَرِّرُ شَعْباً فِي العِرَاقِ يُفَرْسَنُ
يَعُودُ بِه للعُرْبِ بِالعُرْبِ شَامِخاً
فَتَارِيْخُه فَخْرٌ بِمَجْدٍ يُهَيْمِنُ
بِه تَرْجَمَ المَأْمُونُ مَا كَانَ حِيْنَهَا
لَدَى الأُمَمِ الأُخْرَى عُلُوماً تُمَكِّنُ
تَوسَّعَ فِيْهَا عَالِمٌ بَعدَ عَالِمٍ
تَآلِيْفُهُمِ بالعِلْمِ بِالتِّبْرِ تُوزَنُ
وَفِي كلِّ فَنٍّ أَنْشَؤُوهَا حَضَارةً
فَفَاقَتْ سِواهَا قَبْلَهَا فَهْيَ أَمْكَنُ
رَأَيْنَا العِرَاقَ الأَمْسَ يَسْعَى وَيَرْتَقِي
وَفِي الفُرْسِ أَعْدَاءِ الحَضَارَةِ يُثْخِـنُ
لَقَدْ كَانَ للعُرْبِ النَّمُوذَجَ حِيْنَمَا
سَعَى فِي طَرِيْقٍ مُشْرِقٍ يَتَمَدَّنُ
فَبَغْدَادُ فِي عِلْمٍ وَفَنٍّ وَمَنْطِقٍ
وَفَلْسَفَةٍ فِي أُمَّتِي تَتَزَيَّـنُ
مَتَى يَسْتَعِدْ عُرْبُ العِرَاقِ مَسَارَهُمْ
بِوِحْدَتِهِمْ إِنَّ التَّفَرُّقَ يُوهِنُ
فَإِنِّي أُمَنِّي النَّفْسَ فِيْمَا أَظُنُّه
سَيَأتِي قَرِيْبًا بَل عَلَيْه أُبَرْهِـنُ
بِعَاصِفَةٍ لِلحَزْمِ سَوفَ تُعِيْدُه
لأُمَّتِه فَالفُرْسُ تُقْصَى فَتُذِعِنُ
د.عبد الرحمن عبد الله الواصل