على مسرح «بالاس ثيتر» في 30 تموز (يوليو) القادم سوف يعرض في لندن مسرحية جديدة تدور أحداثها حول شخصية «هاري بوتر»، الذائعة الصيت بطل سلسلة مغامرات الكاتبة الإنجليزية ج. ك. رولينج. وهي تعد أول مليارديرة في العالم من الكاتبات، كونت إمبراطورية هاري بوتر الضخمة. ونالت شهرة واسعة على مدار نحو عقد من الزمن إثر طرحها مؤلفاتها في الأسواق. وتُظهر المسرحية شخصية هاري لدى وصوله لمرحلة عمرية ناضجة تخوله للعمل في وزارة السحر، في سياق درامي يتداخل فيه الزمنان الحاضر والماضي. وسوف تقدم المسرحية في جزئين يشاهدان تباعاً في اليوم ذاته أو في أمسيتين متتاليتين. ومن المقرر حسب الخبر بشكل مبدئي طرح تذاكر العرض الذي يستمر 16 اسبوعاً وفتح باب الحجز بدءاً من 30 تشرين الأول (أكتوير) الحالي.
وقد أصبح النجاح الهائل الذي حققته هذه المغامرات، محل تساؤل متكرر، بعدما ذكرت إحصائية قبل مدة بأنه بيع من القصص ما يزيد على 450 مليون نسخة وترجمت إلى 78 لغة، فيما حققت سلسلة الأفلام إيرادات قياسية بدور العرض.
وتحكي قصة هاري بوتر باختصار مغامرات فتى يتيم الوالدين يحالفه الحظ دائمًا في التغلب على ما يتعرض له من مشاكل تبدو أكبر من قدرته على المواجهة، وهو يعاني أسريا من اضطهاد خالته وزوجها وولدهما، بعد أن قتل ساحر والديه ويساعده السحر والشجاعة الظاهرية على تجاوز ما يتعرض له من مشاكل. إذ إنه يمتلك طاقات روحية يفجرها فيه ساحرٌ صديق لأبويه، ويساعده على كيفية تحقيق كافة رغباته من خلال الاستغلال الطيب لقدراته الخفية الخارقة.
وقد كانت ظاهرة نجاح هاري بوتر اللافتة محل دراسة ونقاش من قبل كتاب عرب، في ندوة أقيمت قبل فترة في مصر رجحوا من خلالها أن نجاح الشخصية ربما يعود لأبعادها الإنسانية، وما تعانيه من اضطهاد عائلي من قبل خالة البطل وزوجها وابنهما، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن قصة «سندريلا» سبقتها بمئات السنين في خلق هذا النوع من التعاطف مع أبطال القصص، وهو سبب أجده عمل بالفعل على تكريس أبطال قصص في الوجدان الشعبي وساهم في رواجها مع الالتفات لدور تراكم التأثير مع تتابع صدور السلسلة في مثل حالة قصص هاري بوتر وتنوع أشكال التلقي بين قصة وفيلم ومسرح ودور ذلك في الرواج. كما تم طرح فكرة استخدام نوعية الخط الصغير في طباعة القصص وما يوحي به من مخاطبة المؤلفة والناشر لمتلقين ناضجين وليسوا مجرد فتية أو صغار وهو ما يحتمل اسهامه أيضا في النجاح، وأعاد البعض نجاح القصص لما حوته من خيال خصب واسع لكنه عاد للقول بتوفر خامة الخيال أيضا منذ زمن بعيد في قصص مثل «أليس في بلاد العجائب»، التي صدرت عام 1865م، إضافة إلى كتب الخيال العلمي التي ظهرت مطلع القرن على يد «جون فرن»، غير أنها لم تحظ بما حظيت به قصص بوتر وتساءل آخرون إن كان سبب النجاح ما تضمنته أحداثها من «سحر»؟ وهو لا شك أحد عوامل النجاح نتيجة ما ينجم عنه من أجواء خارقة للعادة، مشوقة بالنسبة للمتلقي الذي لا يمكنه التكهن بما قد يحدث في اللحظة التالية، كما نلحظ ذلك حاليا بشكل نسبي مع المسلسل العربي «ساحرة الجنوب»، وهو عمل درامي موجه للكبار.
غير أن متبني هذا الرأي عادوا للقول بأن السحر والسحرة والوحوش الخرافية موضوع للعديد من الحكايات الشعبية وعلى رأسها مثلا «ألف ليلة وليلة» و»الملاحم اليونانية الكبرى، لكن هناك من رأى أن السبب هو احتواء القصص على حافز النزوع إلى السلطة والسيطرة رغم تواضع مقدرات الفتى «هاري بوتر»، إضافة إلى إشباع الجانب النفسي لدى المتلقي في النجاح السهل عن طريق السحر، «وهو نوع من أحلام اليقظة، التي تكرس الميل للكسل. وإشباع الحاجة إلى الشجاعة، والحاجة إلى الشهرة والاحترام، كما أن هناك حلم الحصول على الثروة الذي يحققه الفتى عبر مغامراته وانتصار الخير على الشر، والقالب البوليسي للقصص بما يتضمنه من تشويق بسبب توزع الاتهامات، وما يواجهه البطل من أخطار.
مع الالتفات إلى تأثر الكاتبة بقصص «ألف ليلة وليلة، حيث يركب «هاري بوتر» سيارته المسحورة التي تطير وتعبر البحر وتشق الفضاء، كما يركب سندباد البساط المسحور في الليالي. والتأكيد على ضرورة عدم اغفال جانب التلقي السلبي للقصص أيضا نتيجة ما تقدمه من سلوكيات خاطئة يقوم بها البطل مثل تكرار خرقه وصديقه للنظام، وسرقة بعض الأدوات، والتسلل من المدرسة، دون التأكيد على الخطأ الذي وقع فيه.
وفي النهاية يبقى السؤال الذي يتجلى بعدة صور في ذهن الإنسان العربي كلما صادف نجاحا أجنبيا لافتا، كيف يمكن أن نصنع عملا أدبيا مماثلا يشكل بديلا أفضل لأبنائنا ويكون في الوقت نفسه بهذا المستوى من النجاح؟
شمس علي - الدمام