ترجمة وتعليق - حمد العيسى:
تقديم المترجم: هنا مختارات من كتاب ترجمته وصدر قبل أسابيع بعنوان «التهديد الإيراني الإقليمي من منظار سعودي» من تأليف البروفيسور لارس برغر.. حصل البروفيسور برغر على الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة فريدريش شيلر الألمانية في عامي 2002 و2006 على التوالي، حيث كان يُدرس هناك أيضاً قبل أن ينضم إلى جامعة سالفورد البريطانية في سبتمبر 2007، ثم انتقل للتدريس في جامعة ليدز (قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية)، ولا يزال هناك حتى وقت كتابة هذه السطور.. وفي 2006/2007، أصبح زميلاً في الأكاديمية البريطانية لقسم السياسة في جامعة نيوكاسل.. وقد دَرَسَ، وسافر للبحث على نطاق واسع في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك إقامة ودراسة لسنة واحدة في الجامعة الأمريكية في القاهرة، وكذا رحلات بحثية إلى مصر، ومركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في إسرائيل، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في المملكة العربية السعودية. وفي 2002/2003، كان أحد اثنين من الألمان اللذين انضما إلى برنامج الزمالة في الكونغرس الأمريكي للعلوم السياسية، ما وفر له رؤى فريدة من نوعها عن عملية صنع السياسة الخارجية في الولايات المتحدة.. وحصل في عام 2007، على ميدالية جمعية دراسات الشرق الأوسط الألمانية (DAVO) لأفضل أطروحة دكتوراه حول تأثير الإرهاب الإسلامي على علاقات الولايات المتحدة مع مصر والسعودية.. ونشر هذا البحث في سبتمبر 2009.
تمهيد
التوقعات حول إعادة صياغة عريضة للتحالف الإقليمي في مواجهة إيران، متجذرة للغاية في افتراضات «الواقعية الجديدة» (*) للعلاقات الدولية عن طبيعة الاعتماد على الذات في السياسة الدولية وعدم ربطها بالسياسة الداخلية. ولذلك، في حالة دولة مثل السعودية، فإن مثل وجهة النظر هذه قد تبدو كميل طبيعي للاصطفاف مع عدو لإيران ليحدث تكامل بينهما مثل لاعبين آخرين في المنطقة بنقاط قوة - ضعف عسكرية واقتصادية متكاملة محددة، وكلاهما لديه رابط مشترك مع الولايات المتحدة، وكانا يقلقان بشأن قوى إقليمية، مثل مصر عبد الناصر، وإيران الثورة، أو عراق صدام حسين.(1)
ومن ثم فليس من قبيل المصادفة أن صورة لكتلة معتدلة تسمو فوق مسألة الصراع العربي - الإسرائيلي، قد بدأت تعود للظهور خلال العقدين الماضيين.. لقد فكر صنّاع القرار في واشنطن بسياسة «الإجماع الإستراتيجي» خلال فترة رئاسة رونالد ريغان، واقترحوا «تحالفاً غير رسمي» ضد «الأنظمة الراديكالية» و«التطرف» في سياق سياسة «الاحتواء المزدوج» التي عمل بها الرئيس كلينتون.(2)
(...) ولكن في الحقيقة، يبدو أن التهديد الإرهابي الأعنف للسعودية يأتي حصرياً من تنظيم القاعدة.. ولكن هذا لا يعني أن إيران ليست خطرة على الاستقرار السعودي الداخلي على الإطلاق.
تزايد قلق إيران من عودة الازدهار للمراجع الشيعية العراقية
وما يقيد ويحد نسبياً من قدرة إيران على استخدام الشيعة السعودية كوسيلة ضغط ضد الرياض، هو حقيقة أن الشيعة في الخليج يعتبرون أن مرجعهم الروحي هو آية الله العظمى علي السيستاني في العراق (النجف)، وليس خامئني إيران.(8) وفي الحقيقة، فإن القيادة الدينية في إيران يتزايد قلقها مع عودة الازدهار للمراجع الشيعية العراقية ومراكز التعلم التابعة لها التي تعمل على تأكيد سيطرتها التقليدية على عالم الإسلام الشيعي.. ومن المفارقة أنه بالرغم من الحديث الدائر حالياً بأن إيران هي المستفيد الرئيس من سقوط صدام حسين من السلطة، إلا أن موقفها الإستراتيجي سيضعف على المدى الطويل.. وهذا الأمر سيكون مؤكداً في حالة نجاح التجربة الديمقراطية في العراق، والتي يمكن أن تكون بمثابة درع فعال ضد «القوة الناعمة» الإيرانية من خلال تقديم نموذج يُحتذى به أكثر جاذبية لشيعة السعودية والبحرين الذين يشتركون مع إخوانهم الشيعة العراقيين في العرق «العربي».
وتمشياً مع أفكار المحافظين الجدد عن الآثار الإقليمية لسقوط صدام حسين، فإن الانبعاث السياسي الجديد لشيعة العراق ألهم وشجع إخوانهم الشيعة في الخليج.. وفي نفس الوقت بدأ عدد من دول الخليج العربي الأخرى تُقدم على ترتيبات لإصلاح سياسي «مسيطر عليه بشدة» (...). (9)
الدين والسياسة
ومع مثل هذه الخلفية التاريخية، تشجع علماء الدين المشككون في فكرة المصالحة مع الشيعة أو أتباع الديانات الأخرى لإصدار فتاوى عن خطر التهديد الشيعي.. وحظي اثنان من رجال الدين، على وجه الخصوص، مؤخراً باهتمام لنزع الشرعية والتشهير بمحاولات إيران لتوسيع نفوذها في العالم العربي.
تراجع شعبية حزب الله وإيران
(...) ولم تكن تلك الفتاوى والتصريحات عديمة التأثير، فالبيانات الواردة في الاستطلاعات السنوية للرأي العام العربي التي نفذها البروفيسور شبلي تلحمي، من جامعة ميريلاند الأمريكية، تثبت أن الحكومة السعودية وحلفاءها نجحوا بالفعل في كبح الحماس العربي الشعبي لحزب الله وإيران، فعندما طُلب من أعضاء العينة تسمية اثنين من أكثر قادة العالم الذين يعجبونهم، انخفضت نسبة المواطنين السعوديين الذين قالوا محمود أحمدي نجاد أو حسن نصر الله بشكل كبير من 16% (في عام 2008) إلى 4% (في عام 2009) على التوالي.. وهذا يعكس تطورات مماثلة في مصر، حيث انخفضت شعبية حسن نصر الله كثيراً من 33% إلى 6%، وكذلك أحمدي نجاد من 16% إلى 3%، وذلك من عام 2008 إلى عام 2009 على التوالي.(20)
بالأرقام: تزايد قلق الرأي العام العربي من إيران نووية
ومرة أخرى، تقدم الدراسات الاستقصائية للرأي العام في السعودية والعالم العربي رؤى جديرة بالملاحظة، فبشكل عام، زاد قلق الجمهور السعودي حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني، بل وأصبحت الأكثرية مستعدة للتغاضي عن هجمات عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية.. وكشف استطلاع الرأي السنوي لعام 2009 الذي أجراه فريق د. شبلي تلحمي من جامعة ميريلاند الأمريكية أن أكثرية الجمهور السعودي (52%) تتفق مع أكثرية الجمهور المصري (63%) والمغربي (62%)، في قناعتهم أن إيران تسعى إلى صنع أسلحة نووية.. وهذا يتناقض مع نتائج جمهور دولة الإمارات العربية المتحدة (36%) ولبنان (31%)، والأردن (19%)، حيث يعتقد الأقلية فقط بأن إيران تسعى إلى صنع أسلحة نووية.
الشعب السعودي:
ينبغي الضغط على إيران للتخلي عن برنامجها النووي
ومن عام 2008 حتى عام 2009، قفزت نسبة السعوديين الذين يعتقدون أنه ينبغي الضغط على إيران للتخلي عن برنامجها النووي من 27% إلى 41%، مع وجود نمط مماثل (أي «زيادة» من يريدون الضغط على إيران) في دولة الإمارات العربية المتحدة (من 34% إلى 62%)، ومصر (من 17% إلى 43%)، والمغرب (من 31% إلى 40%).. وهذا يماثل نمط «الزيادة» في عدد القلقين من أن وصول إيران إلى المنزلة النووية سيكون له عواقب «سلبية» على استقرار الشرق الأوسط: في السعودية (من 26% إلى 48%)، في الإمارات العربية المتحدة (من 42% إلى 60%)، وأيضاً في مصر (من 28% إلى 48%)، وفي المغرب (من 35% إلى 49%)(38). وحتى قبل زيادة التصلب المعادي لإيران في الرأي العام، رغب 38% من السعوديين الذين تمت مقابلتهم في استطلاع عام 2007، «أن تقوم الولايات المتحدة ودول أخرى» بعمل عسكري ضد إيران في حالة فشل الوسائل الدبلوماسية لوقف برنامج الأسلحة النووية المحتمل.(39)
نجاح ساحق للدعاية المضادة لإيران
وفي الجوهر، فإنه يمكن للمرء قراءة هذه الأرقام كمؤشر مبكر أن هذه الأنظمة المناهضة لطهران تمكنت من تدشين عملية يمكن أن ينتج منها إعادة تشكيل للتحدي الإيراني.. لقد بدأ معظم الجمهور العربي ينظر إلى إيران ليس كبلد مسلم يُواجه الإمبريالية الغربية، بل أصبحت صورتها الشائعة في كثير من الأحيان هي أنها تشكّل تهديداً متهوراً وغير مسؤول للنظام الإقليمي.. وهذا الإنجاز الهائل في تغيير رؤية الجماهير العربية يعني أن الدول في المنطقة، وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، قد تكون قادرة على الصمود في وجه تداعيات سياسية داخلية بسبب هجوم إسرائيلي على المنشآت الإيرانية إذا لم يمكن اتهامهم بالتواطؤ (...). (40)
تلاعب إيران بالشارع العربي عبر استغلال الصراع العربي - الإسرائيلي لإحراج السعودية
المهارة المتزايدة التي أظهرتها إيران في «التلاعب بالشارع العربي» تُماثل التهديد للشرعية المحلية التي شكّلها عبد الناصر للأنظمة الملكية المحافظة في وقته.. ولذلك، يجادل البعض أن التهديد الرئيس من إيران للسعودية ليس من خلال المواجهة المباشرة، ولكن من خلال الصراع العربي - الإسرائيلي(44).. وعبّر وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل عن شيء من هذا عندما أوضح أن «إسرائيل هي مفتاح إيران لدخول العالم العربي.. إذا كانت إيران تهدد العالم العربي، فإنها تهدده من خلال المشاكل الناتجة من الصراع العربي - الإسرائيلي».(45)
هوامش المترجم:
(*): الواقعية الجديدة (أو الواقعية البنيوية أو النيو واقعية) هي نظرية في العلاقات الدولية وضعها كينيث والتز (1924-2013) في كتابه «نظرية السياسة الدولية» (1979).. وفي جوهرها بزغت «الواقعية الجديدة» ردّاً على نظرية «الواقعية الكلاسيكية» الشهيرة لهانز مورغنثاو (1904-1980) التي سادت خلال الحرب الباردة. والفرق بينهما هو في وجهة نظرهما عن أسباب الصراع في العلاقات الدولية.. الواقعية الكلاسيكية تضع التركيز على المصلحة الذاتية الثابتة للطبيعة الإنسانية (أي أدبيات الحكمة البشرية).. ولكن الواقعية الجديدة، من ناحية أخرى، استبدلت الحكمة البشرية بمفاهيم علمية وعقلانية، حيث ترى أن الصراع في العلاقات الدولية يمكن تفسيره بحالة الفوضى الدولية (اللا مركزية): أي عدم وجود سلطة عليا تنظم العلاقات الدولية ما يدفع الدول على المستوى الفردي للسعي لامتلاك القوة لحماية أمنها.. وبحسب نظرية الواقعية الجديدة، فإن التفاعل بين الدول ذات السيادة يمكن تفسيره من خلال الضغوط التي يمارسها عليهم الإطار الفوضوي (اللا مركزي) للنظام الدولي، الأمر الذي يحد من ويقيد خيارات الدول.. كما أن فوضى السياسة الدولية - أي افتقارها إلى قوة مركزية نافذة - يعني أن الدول يجب أن تتصرف بطريقة تضمن أمنها فوق كل شيء، وإلا ستُواجه خطر الانهيار، وهذه هي الحقيقة الأساسية للحياة السياسية التي تواجهها الديمقراطيات والديكتاتوريات على حد سواء.. وفي ما عدا حالات نادرة، لا تسطيع الدول الاعتماد على حسن نية الآخرين لمساعدتها، ولذلك يجب أن يكونوا دائماً مستعدين ليدافعوا عن أنفسهم.. وهكذا، فإن لا مركزية النظام الدولي تفرض على الدول نظام الاعتماد على النفس (أي المساعدة الذاتية self-help) الذي بموجبه كل دولة عليها أن تعتني بنفسها إذ لا يوجد تقسيم للعمل أو تمييز وظيفي بينها.. (العيسى).
- المغرب
Hamad.aleisa@gmail.com