خرج بعد أن أوصد باب شقته بكل قوة ، والغضب يشع من عينيه، ينزل السلم والكلمات المؤلمة المعتادة تلاحقه، لماذا لم تحضر لنا..؟ وأين المال؟
ولمَ تكون هكذا؟
أنت كعادتك كل يوم تعود صفر اليدين! ونحن نحتاج إلى المؤونة إلى الطعام وإلى.. وإلى.
صعد الألم قمة رأسه، أغمض عينيه وفتحهما بسرعة وقد تولد لدية إصرار على المضي في كل الشوارع للبحث عن راكب والحصول على المال، وعند آخر السلم اصطدم بالحارس الذي خرج إليه فجأة وبصوته الأجش قال:
- يا سعيد أين أجرة الشقة إن أبا محمد يسأل عن..!، وقبل أن يكمل حديثه أشار إليه بالصمت، فقد اغرورقت عيناه بالدمع الذي فاض على شواطئ حزنه.
أشاح بوجهه وخرج من العمارة متوجهاً إلى سيارته.
مرت ساعات ثقيلة، قطعت من عمر الزمن شوطاً وهو يجوب الطرقات بحثاً عن راكب، بدأ العرق يتصبب من جبينه فيمسحه بظاهر يده، ويغمض نصف عينيه وهو يصوب نظره في كل الاتجاهات، يحدث نفسه:
لا أحد، لا أحد
رباه ماذا أفعل؟
إن عدت فسوف تُمزقني بصراخها أين أذهب؟
وبعد لحظات من الانتظار السقيم رأى رجلاً يمشي مسرعاً ويشير بيديه.
يقف، يتمتم الحمد لله. هذا راكب.
- أهلاً، أهلاً.
- إلى شارع عشرين بالقرب من الميدان عند محطة البنزين.
- نعم، نعم هيا أركب.
آه إن الحر شديد بالخارج، لفظ عبارته وهو يحمل نفسه ويقذف بها إلى المقعد.
- نعم، هو ما تقول.
تناول السيارة بسرعة وشق الطرقات باتجاه شارع عشرين وأخذ فكره يعمل والأمنيات تتقافز بذهنه؛ إن شارع عشرين بعيد من هنا...، كم سيعطينني؟
فكر كم سيعطينني؟
آه وأشرقت ابتسامته. أفاق من أمنيته المغلفة بالأمل بيد الرجل يضعها على كتفه، ثم دنا منه وقرب رأسه إليه وهمس في إذنه:
- أتريد عملاً يجعلك تتخطى كل الصعوبات وتصبح ثرياً في
غضون فترة وجيزة من الزمن.
- ها..! رد باستغراب وعدم تصديق:
- ماذا تقول؟
- أسمعني جيداً، تنضم إلى مؤسسة عمل مشترك، دورك فيها بسيط جداً، وأشار إلى السيارة ثم استطرد:
- وتظل تمارس عملك الممتع هذا..،
- والله إني في غاية الدهشة وسكت لبرهة، ثم تسأل:
- ما هذا العمل؟
- ما عليك سوى أن توافق، ثم هزّ رأسه وأردف وباقتناع
- أوافق ها ولكن على ماذا؟ ما هو العمل؟
- أنت سائق وأعتقد انك تعرف كل فئات المجتمع ودورك بسيط.
دار الصمت بينهما للحظات، وعيناه تستديران في كل الاتجاهات والرغبة في الاسترسال تحضه على سرد ما لديه.. أما السائق فنظراته الخائفة المندهشة التي تمتلئ رغبة وشوقاً تتعلق به تريد سماع الخبر الذي يجعل الفرحة تزوره وتطرق بابه بعد عناء عاشه سنوات عديدة، تأوه، وحدث نفسه:
إذا صح ما يقول فسأغلق عليها الباب وأمنعها من زيارة صديقاتها وإذ لم تصغي إلي فسأهددها نعم، سأهددها.
احمر وجهه وهو يقول ذلك. وتابع سرد أحلامه، فكم عانيت منها وكم أذاقتني طعم الحسرة.
وفي أثناء شروده شعر بيد الرجل تضغط كتفه وتهزه وبنبرة قوية قال:
- لم تقل لي، هل توافق على اقتراحي هذا؟
- ها أوافق..، وقفت الكلمات على فمه متردداً.، ثم مدّ الرجل يده وفتح كفه وقد ضمت حبات بيضاء أشبه بدواء.
نظر إليها، زادته نظرته استغراباً وخوفاً ، ثم سأل:
- ما هذا؟
- هذا، هذا مفتاح السعادة هذا ما يجعلك في مصاف الأثرياء بإذن الله.
- وما هو العمل؟ وما...؟
- انظر هذه حبات تنسي المريض ألمه وتسكن العليل أوجاعه وتطير به إلى فضاء الأحلام.. و.. فقاطعه:
- وما علاقتي بهذا؟
رفع يده ووضعها على فم السائق واستطرد:
- اسمع، كل من يركب معك من فئات الشباب تحدث معه لا بُدَّ أن يكون له حكاية مع الألم والغربة والتعاسة، أعطه هذه الحبوب فهي علاج، صعق السائق عندما تجلت الصورة ووضحت معالمها ورأى الحقيقة التي بزغت من خلف الغيوم.
تأوه، لقد تحطم حلمه الذي كبر في لحظات حتى عانق السحب فصرخ عندها فتح عينيه إلى آخرها وقال:
- أيها الوغد، هل تراني ساعي البريد الذي يحمل السم على طبق من فضة.
ثم أوقف السيارة وأكمل: انزل، هيا انزل وإلا..
وقبل أن يستطرد نزل الرجل مذهولاً وابتعد، ثم أسرع السائق ونزل عند كابينة للهاتف رفع السماعة وقال:
- آلو، إدارة مكافحة المخدرات.
- نورة عبدالعزيز العقيل