هذه تحفة فنية يروعك جمالها ويفتنك سحرها أبرزها للعالم كرسي الدكتور عبدالعزيز المانع لدراسات اللغة العربية وآدابها، أخرجت بيدٍ صناع، وبروح عاشقة للتراث وكنوزه الجميلة. هو كتاب تراثي أحسن جمعه وكتابه محمد بن حسن الطيبي، هو (كتاب جامع محاسن كتابة الكتاب ونزهة أولي البصائر والألباب).
فتن أستاذنا الدكتور عبدالعزيز المانع بهذا الكتاب منذ أن اشتراه من محققه الأول دكتور صلاح الدين المنجد، وكان المحقق ألحق في آخر الكتاب صورة غير ملونة للمخطوطة حجبت جمال أصله، وحين درّس أستاذنا مقرر تحقيق النصوص كان هذا الكتاب من النماذج التي عرضها على طلابه، وكان من فتنة الأستاذ بالكتاب أن رغب في تحقيقه وإخراجه إلى الناس بصورة تليق بجماله، وكانت مكابدة السفر إلى تركيا والإصرار ومعاودة الطلب على الرغم من الرفض المتكرر حتى أذن الله بالقبول، فصور الكتاب أحسن تصوير، وها هو يخرج بتحقيق أستاذنا بحلة قشيبة وفي آخره صورة المخطوطة ملونة هي آية من آيات الجمال، وقد طبع الكتاب على الروق الصقيل المناسب لمثل هذه الأعمال الجليلة.
قدم أستاذنا للكتاب بمقدمة رائعة عن عناية الخطاطين بالخط العربي، وتاريخ الخطاطة، وأنواع الخطوط، وأهم الأعمال التراثية التي تحدثت عن هذا الفن، ثم عرّف بابن البواب الخطّاط الذي من أجله ألف هذا الكتاب، وبين مكانته بين الكتاب، وفصل أستاذنا بعد قصته مع هذا الكتاب، ثم انتقل ليتحدث عن عنوان الكتاب ومصادره، ولما كان العمل هو إعادة تحقيق اقتضى الأمر بيان الفرق بين التحقيقين بإظهار الملاحظات والوقفات مع العمل السابق وهو عمل الدكتور المنجد، وعرف أستاذنا بمؤلف الكتاب الطيبي، ولمن كتب هذا الكتاب وقيمته، ثم شرع ببيان طريقته في تحقيق هذا الكتاب مصدرًا ذلك باعتراف جميل لما للمنجد من جميل، وهذا خلق العالم الجليل الذي يحفظ لأهل الفضل حقهم، ولكن ما أنجزه أستاذنا بما أوتي من عزيمة وخبرة ووسائل حديثة جاء في صورة تفوق الأصل.
بدأ الكتاب ببيان تصاوير الأحرف، ثم كتابة الحروف ومصطلحاتها في كل شكل، وأما مقدمة الكتاب ففيها ذكر لأركان الكتابة حسب طريقة ابن البواب، تلا المقدمة ذكر لأسماء الأقلام وتحت كل اسم طريقة صاحبه ونموذج لذلك الخط قد يكون قصيدة أو حديثًا أو حكمة أو خبرًا، وأول هذه الأقلام قلم الثلث المعتاد طريقة الأستاذ ابن البواب سامحه الكريم التواب، وتحته منظومة تشرح أدوات الكتابة وكيفيتها وتظهر في المخطوط بخط الثلث، والمحقق تابع المخطوط في ضبط (طِبّ) بكسر الطاء، ولعل الصواب الفتح (طَبّ)، أما (طَرْفَيه) فخطأ طباعي صوابه ما في المخطوط (طَرَفَيْه)، وبعده قلم العقد المنظوم وضع كاتبه، وتحته حكاية كتبت بهذا الخط، ورأينا المحقق تابع المخطوط في رسم الفعل (خلَّا) خلافًا للرسم المعتاد وهو (خلَّى). ويأتي بعده المنثور، وسقطت كلمة (قلم) من النص المحقق، وهي ظاهرة في المخطوط، ولعله يقصد (قلم العقد المنثور) ويمثل لطريقته بحديث شريف، وحكمة. ثم قلم المقترن ويمثل لطريقته بنص، ثم قلم التعليق ومثاله طلب مقدم إلى السلطان قانصوه، وقلم التواقيع، وقلم جليل الثلث بطريقة ابن البواب، وقلم المصاحف بطريقة ابن البواب، وطريقة النسخ الفضّاح طريقة الأستاذ ابن البواب، وهذا وهْمٌ في العنوان، صوابه ما في المخطوط (قلم المسلسل والغبار، طريقة الأستاذ ابن البواب)، ثم طريقة النسخ الفضّاح طريقة الأستاذ غفر له رب العباد، ثم قلم جليل المحقق طريقته رحمه الله تعالى، ثم قلم التواقيع طريقته، ثم قلم الرقاع طريقة الأستاذ ابن هلال سامحه ذو الجلال، ثم قلم الرياشي طريقة ابن البواب سامحه الكريم التواب، ثم قلم اللؤلئي طريقة ابن البواب سامحه الكريم التواب، ثم قلم الحواشي طريقته غفر الله تعالى له ورحمه، والآخِر قلم الأشعار طريقة الأستاذ سامحه رب العباد.
عمل إخراجي رائع؛ ولكني لو أخرجت هذا الكتاب لجعلت الصفحة اليمنى للكتاب المطبوع والصفحة اليسرى للمخطوط على نحو تناظري، لأن النصوص ليست مرادة لذاتها ولكن لشكلها، والطباعة تذهب الميزة لولا تدارك ذلك بإلحاق المخطوطة، ولكنت أضفت مسردًا بمحتويات الكتاب، ولأمكن بهذا أن تأتي أثبات الكتاب (فهارسه) في نهايته. أطال الله عمر أستاذنا وبارك عمله.
- الرياض