الصديق: إذا ضاقت الأرض عليك لا تكترث فهو مسقط رأسك.
الصديق روح وذراعان، تصبح طفلاً في حضرته، وفي الضيق تعرك وجهك في ثوبه ولا تخجل، الصديق صديق لأكثر من سبب، الصديق بصر وساعة.
الصديق ملاك يتحول أحياناً إلى شيطان ليساعدك في مغبة العبور.
الصديق: مهما التقطت من العابرين فلن تعثر عليه؛ فهو ليس لقيطاً على طريق، ومهما حفرت عميقاً فلن تجده؛ فهو ليس مخبوءاً عنك، لكنه حظ من السماء.
من يمنحني يوماً ثامناً كي أتدبر أخطائي السبعة.
تحت القناع وجه يسيل في العتمة.
وجه جبري وأقنعة لا تنتهي.
إن قيمة الأقنعة تكمن في قابليتها للتلف، سهولة تداولها وسرعة فنائها، القناع ثقيل بخفته، ليس فضلة كما يظن عابر الطريق.
مسافة ضوئية بين إنسان يصنع فرقاً وبين إنسان آخر ينكص على عقبيه.
الوظيفة تنتهك طاقة الإنسان وتخنق الأصوات المتعددة؛ فالموظف حفار قبور، لكنه لا يحفرها في أرض أخرى، كل ساعة يحفر قبراً ويدفن ميتاً في داخله.
ليس الليل على كل حال
أحياناً نحتاج إلى مصابيح تمحو عتمة النهار.
أجمل الأسرار:
ما حدث في العتمة وانزلق عليه المطر.
أكثر الأسرار قداسة:
هو سر يفلق الروح ويذيب الشمع بين جسدين انفصلا عن المكان والزمان.
أعمق الأسرار:
ما صنعناه بأعيننا وطاش أثره في المسافة.
الشجرة لا تتبادل الأسرار مع شجرة أخرى؛ بينهما مسافة لا يطويها السر، أما الإنسان كائن الأسرار هذا، فالسر زهرة جسده، يتبادلها مع جسد آخر.
لا تنهر طفلاً حين يتكلم؛ فهو أولى بالكلام من الكهل؛ ذلك أن الطفل يتكلم لغة الفراديس المنسية، أما الكهل فيتكلم لغة عجماء بلا وحي أو رؤيا.
لا بد أن تملك حلم الطفل وطاقته لتصنع الخوارق.
لا بيت للطفل، إنه على حدود المعجزة
وهو على مسافة بين الحيوان والطائر.
الطفل كائن ما قبل الخطيئة.
نحن نحزن ونموت لأننا لم نعد أطفالاً.
في المطارات: يتجسد الحزن وتقرأ علامات التيه على وجوه الناس، الوحشة مدعوكة في أثوابهم الدبقة من فرط الرحيل، فسحة يسكنها الموت، إنه قلق الذاهبين.
الصورة محاولة يائسة لمقاومة المحو والموت.
لا وجود لصورة حديثة
الصورة دائماً قديمة.
لقد تحول العالم إلى صورة، والخطر يتمثل في أن الصورة اقتحامية، ماكرة ومراوغة، تنزلق بسرعة لا متناهية، إنها سديم سائل.
الدمية المرعبة استحوذت على بقعة محدودة من الضوء، اختطفها اللمعان الباهر فلم تنتبه لمحيط من الظلام.
أنى لي أن أتأكد من وجود الغائب أو المجهول الأكبر وأنا لا أستطيع أن أتأكد من وجودي في هذا العالم؟ إن الكائن لا يملك برهاناً على حضوره هنا والآن.
أكثر الطرائد شقاء:
طريدة تقتفي أثر الصياد.
المصيدة تنمو في العتمة
إنها ظلك الذي لا تراه.
المصيدة حدث ترتطم به، انقلاب مفاجئ يشل عالمك اليومي، مصير أسود يغير العالم في عينيك إلى الأبد، المصيدة بئر تسكنها وتسكنك.
الثعلب هو الأكثر قدرة على تجنب المصيدة، بخلاف الذئب فهذا يسهل اصطياده، لكن الثعلب - أحياناً - ومن حدة توجسه ينصب المصيدة لنفسه دون أن يدري.
المصيدة ينسجونها من عوالمك، عبر دروبك السرية، شعرة واحدة من فروة رأسك تكفيهم ليشنقوك بها.
الصياد الماهر لا يعول على كثرة الطرائد، إن طريدة واحدة تكفي متاعه في رحلته.
من يسافر في البحر لا يملك إلا مناورة محدودة، لقد ركب هذا التابوت الخشبي وإذا ما هاجمه أحد ستضيق عليه الحيلة، هل يخرق السفينة أم يخرب البحر؟
أنت شرارة تكبر في الريح، وإنك من سلالة قراصنة غاضبين لم تقنع بالخانات الضيقة، صرت الظهير الطائر، تتقدم ولا تحيط بك الهندسة.
الهدية ضرب من الحب، وأن تمنح إنساناً هدية، هذا يعني أنك تقول له: أنت هنا في هذا العالم، نحن نراك ونبتهج بك، أنت بيننا ولم تمت بعد.
اليد التي تقدم الهدية هي يد الله واهب الروح، يده المشغولة بالصلصال.
الهدية فسحة يتسلل منها شعاع يضيء عتمة الكون.
الطفل مأخوذ بالهدايا أكثر من غيره؛ إن روحه أقرب إلى السماء، حيث إنه لم ينجذب إلى ثقل العالم بعد، فهو كائن مسكون بالهدايا المقدسة: فراديس الله.
الباب الحزين: الباب الذي يفصل شخصين يدفعانه بعنف، أحدهما في الخارج والآخر في الداخل، يقف الباب بينها حزيناً لا حول له ولا قوة.
أجمل الأبواب:
الباب الذي يختبئ خلفه ملاكان يختلسان فاكهة الظلال، الباب الذي يمنع العالم ويحرس خلوة عاشق وقمر.
الأبواب تعني أن هناك شخصاً مرهقاً غير مقتنع بأن للفضاء جدوى، الأبواب حدود لا نمسسها بلا إشارة، الأبواب حضور مبكر للتوابيت، يا للجسد!
الزواحف المتحولة تقذف مشيمتها وبولها البرتقالي على العالم.
حرب الشوارع الضيقة تتطلب من المحارب أن يملك وجوها متعددة: صلابة الصوان وحضور الشبح، ومناورة الفأر سيد المتاهات وحكيمها.
عرف الإنسان موته في مرآة الآخر، فالذي ينشأ وحيدا في غابة أو لم يلتق ببشر من قبل، لن يدرك فكرة أو شبح الموت، سيموت مثل شجرة جاهلة؛ الموت لغة.
زياد السالم - الجوف