ما زلت أعاني من معضلة اللحظة. كتبت كثيرًا أنني لا أستطيع تصور مفهوم واضح للحظة، وبخاصة حين تكون طويلة! لم تعد اللحظة فقط هي الوحيدة التي تشبه الهلام، صار الوقت كله هلاميًا، قد يأخذ شكل القالب، لكنه يقاوم لمسات الأصابع (أو الملاعق) مبتكرًا لنفسه حركات راقصة، اسمع صوت (الفصول الأربعة) يعلو ويخفت في انسجام تام مع الحركات! هل هذا هذيان؟! قد يكون كذلك، فالأيام غريبة إلى الحد الذي ينبت لها جناحين تطير بهما سريعًا، هل ما زالت طويلة برغم سرعة مرورها؟! نعم ما تزال كذلك! يا للغرابة... أشعر كأنني في ممر طويل للمرايا، تسير فيه الساعات على أقدام -والأنيقة منها تحمل عصًا تشبه عصا صاحب الظل الطويل- دعنا نقل إن هذه هي الساعات الرصينة، وفي مقابلها تجد أخرى ترتدي حذاءً رياضيًا تحت فساتينها الطويلة (مثل العروس الهاربة) وتجري عند أول صافرة للانطلاق غير مكترثة بمن يحاول اللحاق بها، أنا في عدْوي الأعرج نحو خط النهاية أو البداية، على الأقل لن أكون في دائرة، الخط مهما امتد يبدو أكثر رحابة من دائرة، لأنك على امتداده تتغير في حين أنك في الحلقة لا تفعل شيئًا سوى الدوران في حلقات تصغر وتصغر إلى أن تختفي أنت لا الدائرة!
الغرق أيضًا هو مسألة وقت أو توقيت، ليس بالضرورة غرقًا في مياه البحر، قد تغرق وأنت على اليابسة حين تظن أنك في مأمنٍ ويطالك غدر الوقت فتقضي مسمومًا برداءة الأعوام العجاف التي مرت ولم تخلف سوى هباء. الرماد هو أيضًا مسألة وقت، حين تتلظى النيران ملتهمة إياك بسرعة أو ببطء -ذاك يعود إلى مزاج النار- لتصبح أثرًا باهتًا لست بأسود ولا بأبيض!
دعنا نضف بعض البهجة هنا، صنع الكعكة مسألة توقيت، لا قبل ولا بعد، لا إسفنج رديء يهبط مع أول لمسة ولا قالب قرميد، هذا الأخير يمكنك الاستفادة منه في أعمال الترميم أو ليكون حذاء لرجل الطاولة المكسورة !
الأصدقاء هم أيضًا مسألة وقت وبفرق توقيت، فقط !
بثينة الإبراهيم - القاهرة