لا تقتصر أهمية إقامة مهرجان للأفلام السعودية على إنعاش الجانب الإبداعي والفني في المجتمع أو الإسهام في تنشيط حركة الشباب المتجه رغم كل العراقيل بشغف تجاه عالم السينما وصناعتها، وإنما تمتد أهميته لتشمل عددا من الأدوار المهمة التي قد لا يعيرها البعض التفاتا.
فالفيلم الجيد مثلا له دوره التثقيفي التوعوي الذي لا يستهان به الذي يسهل وصوله للمتلقي عبر قالب فني محبب وجاذب للنفس إضافة إلى ما يحوي من جانب اجتماعي يتمثل في تسليط الضوء على بعض قضايا المجتمع ومشاكله وهمومه.
فيتناول سيناريو عباس الحايك مثلا الفائز بالنخلة الذهبية في مسابقة السيناريو قضية موضوع «النذر»، بخاصة كما يقول تلك النذور الغريبة غير المنطقية التي تقيد الناس بقيودها، فتدور قصة السيناريو الذي تقدم به للمسابقة حول حكاية طفل يقيده نذر أمه ويجعله يعيش حياته بملابس مقلوبة حتى يبقى حيا بعدما أسقطت أمه أكثر من حمل قبله، ويعاني الطفل سنوات من نظرات الناس وعدم قدرته على دخول المدرسة بسبب ذلك.
ويصف الحايك المهرجان بأنه فرصة كان ينتظرها المهتمون بصناعة الفيلم القصير بعد انتظار لأكثر من ست سنوات أعقبت الدورة الأولى، وأنه كان فسحة حرة للتلاقي والنقاش في شئون السينما، وفسحة لمشاهدة آخر ما أنتجه السعوديون من أفلام وأفكار سينمائية، كما أنه كان بمثابة صرخة رفض لمنع دور السينما في السعودية وإثبات دور السينما على المستوى الاجتماعي.
فيما تدور فكرة الفيلم الوثائقي «الزواج الكبير»، الفائز بالنخلة الذهبية في مسابقة الأفلام الوثائقية حول عادة الزواج الكبير في جزر القمر التي تستمر فعالياتها لمدة أسبوعين بشكل متواصل وبعد إتمامها يحصل العروسان على مرتبة عالية جدا في المجتمع.
ويقول مخرج هذا الفيلم فيصل العتيبي: أنا متخصص في الأفلام الوثائقية ودائما أبحث عن الأفكار الجديدة والمعلومات التي لا يعرف عنها الناس الكثير. وأسعى خلف معرفتها واكتشافها وأحب أن يشاركني الناس متعة هذا الاكتشاف، ولذلك كان فيلم الزواج الكبير.
ويسلط الفيلم الوثائقي «ضائعون»، لمحمد الفرج الفائز بالنخلة الذهبية في مسابقة الطلبة في قصته على معاناة أشخاص يعيشون بلا جنسية أو أوراق ثبوتية في قرية صغيرة من قرى أبها. ويعتبر صاحبه المهرجان فرصة أتاحت له عرض فيلمه أمام جمهور كبير ونقاد مختصين الأمر الذي ينعكس عليه إيجابيا ويفيده حسبما قال في: نشر قصة هؤلاء الناس الذين سلط الفيلم عليهم الضوء على نطاق واسع كما يفيد من ملاحظات النقاد والمختصين في أفلامه المقبلة.
فيما يقوم الفيلم الوثائقي «البسطة»، الفائز بالنخلة البرونزية في مسابقة الأفلام الوثائقية للإعلامي محمد الحمادي برصد يوميات وهموم وطموحات البائعين على الأرصفة وفي الأماكن العامة، ويقول مخرجة محمد الحمادي: الفيلم كان بالنسبة لي سياحة للدخول في عمق هذه المحال والتعرف عن كثب على العاملين في البسطة، نحن نشاهدها بشكل دائم غير أننا قلما اقتربنا منها بشكل عميق يتيح لنا ملامسة الحالة الإنسانية التي تمثلها.
وإزاء الجانب الاجتماعي الذي تبرزه المهرجانات على أصعدة عدة فهي تسهم أيضا في تنشيط الجانب الاقتصادي والسياحي، وتعزيز الهوية الثقافية للبلد الذي تنطلق منه وهو ما قد يعلل تكاثر نمو مهرجانات الأفلام في العالم العربي والغربي وتنافس بعضها لاجتذاب صناع الأفلام بتقديم العديد من الإغراءات.
وقد حمل مهرجان الأفلام السعودية الذي أقيم مؤخرا في الدمام في دورته الثانية بعد نحو سبعة أعوام من التوقف جرعة أمل للكثير من محبي الفن السابع والشغوفين بالسينما من السعوديين، خاصة في أعقاب موجة الإحباط التي طوقت عددا غير قليل منهم إثر إلغاء «الليالي السينمائية»، التي كان من المقرر إقامتها في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي سيشرع أبوابه للجمهور قريبا.
كما كان المهرجان فرصة لتقييم تجارب صناع الأفلام من الشباب بواسطة خبراء ومختصين في هذا المجال وفرصة للتعلم وتطوير الأدوات والمهارات الفنية من خلال ما قدم من ورش رافقت فعالياته، واكتشاف الأفلام السعودية الجيدة وتقديمها للجمهور المحلي بخاصة في ظل غياب دور للسينما ورغبة صناعها في عدم بثها على اليوتيوب النافذة المتاحة غالبا لدى السعوديين لمشاهدة منجزهم المحلي طمعا بالمشاركة بها في أكبر عدد ممكن من المهرجانات والمسابقات الخارجية لتحقيق الهدف المرجو من صناعتها على الصعيد الشخصي والفني بالنسبة للقائمين عليها.
وقد فطن لأهمية إقامة المهرجانات الغرب منذ عشرات السنين وعالمنا العربي في سنوات لاحقة حتى باتت مهرجانات مثل: برلين، كان، فينيسيا من أشهر المهرجانات الدولية. وفي العالم العربي هناك مهرجانات مثل: قرطاج التونسي، الذي يعد المهرجان العربي الأعرق الموجود في الساحة العربية، ومهرجان دبي السينمائي الدولي الذي يعتبر المهرجان الأول في المنطقة الخليجية الذي أسس دعائم السينما الإماراتية والخليجية، ومهرجان أبوظبي الذي بات ينافسه ويحاول سحب البساط عنه بما يقدم من إغراءات مادية، ومهرجان مراكش، الرباط، دمشق، الإسكندرية، الدوحة. التي يتنوع ما يعرض فيها بين الفيلم القصير إلى الروائي الطويل وأفلام الأنيماشن والتسجيلي والتجريبي والأنثروبولوجي.
ويؤكد الخبراء أن الهدف الرئيس لإقامة الكثير من هذه المهرجانات يأتي بهدف اقتصادي وسياحي قبل أن يكون لهدف ثقافي أو حبا في الفن السابع وتتدرج هذه العوامل في سلم أولويات القائمين على هذه المهرجانات تاركة انعكاساتها في مخرجاته ومقدار القيمة الفنية لما يقدم من خلاله وبالتالي على سمعة المهرجان في دوراته المتعاقبة.
كما يؤكدون أن أهمية المهرجانات الثلاثة الأولى في العالم: «برلين، كان، فينيسيا»، لا تعود فقط لأنها الأقدم بل لأنها نتاج أجيال من العاملين المخلصين والباذلين الأوفياء للسينما الذين أدركوا مدى القيمة الفنية والثقافية لما يقومون به فعملوا بتفان وإخلاص.
شمس علي - الدمام