ومضات سردية حيكت بوعي وعناية
بتقديم من الناقد الدكتور عبدالله الغذامي تطل الكاتبة والقاصة الدكتورة زينب الخضيري على القارئ من خلال عمل سردي جديد وسمته بعنوان «خاصرة الضوء» فألمحت في هذه الإضمامة السردية إلى أن النص القصصي بات مطالباً بأن يكون أكثر رشاقة، وأخف دماً لكي يُقبل عليه القارئ، ويتفاعل معه بشكل إيجابي.
فقصص هذه المجموعة تنحو إلى فكرة القصة القصيرة جداً حيث عمدت الكاتبة إلى أن تستوفي في هذه القصص شروط وعناصر السرد القصصي لتخرج كل قصة أو ومضة مكتملة العناصر والبناء، وهذا ما يؤكد فرضية أن القصة يجب أن تكتمل عناصرها الضرورية أي كان حجمها وعديد كلماتها، فطالما أنها تحافظ على منجزات ومعايير فن القصة فلا بأس في قصرها المتناهي أو المتوامض كما في هذه المجموعة.
عناصر السرد -كما أسلفنا- في هذه القصص مكتملة البناء وشديدة الحضور، فحيز الزمان، وفضاء المكان، والحدث، واللغة بمستوييها عناصر بناء فني استحضرتهما الكاتبة وبرعت في توظيفها على نحو حضور الزمن في قصة (تفسير الوقت) وقصص أخرى، فهي التي تعمد إلى عرض صورة الزمان في كل مشهد يلي هذه القصة، لتفصح عن زمن الفصول في عام، أو زمن الشقاء في عمر كامل، أو كما في نص (دقيقة مرتبكة) حينما توقظ في الذات لذة البحث عن وقت ثمين حتى وإن كان عابرا، أو متسارعاً في جريانه وهربه نحو حالات صفرية.
أما فضاء المكان في هذه القصص فإن زينب الخضيري تدشنه بقصة (ممر) لتتوالى في هذا السياق رؤيتها الفنية في تعميق وجود عناصر السرد، أو لنقول عنها ركائز كتابة القصة حينما برعت في توظيف حيز المكان كحالة فنية لابد منها، لتأخذ القصص بعد هذا النص أبعاداً أخرى لدلالة المكان معنوياً على نحو قصة (رجل يسكن كتاباً) فالقصة هنا لعبة فنية متقنة، تصور المكان معنوياً وكأنك تتخيل بعد قراءتك للعنوان ومن ثم النص أن هذا المبدع -بطل القصة- لفرط تعلقه بالحياة وتفرده وبهائه يسكن الكتب كعالم افتراضي للمكان الذي يمكن أن نحوره كاستنتاج في مكانة مناسبة للمعنى لتؤصله في المشهد.
كما أن الأحداث في هذه القصص تأخذ من الواقع هويتها؛ إذ لا تتأزم هذه الأحداث كثيراً، ولا تتباين، لأن الكاتبة سعت إلى أن تكون هذه النصوص ومضات هادئة تذهب إلى القارئ بهدوء دون صدام مع معطيات السرد الأخرى، لتتواتر منقولات الراوي لهذه الومضات السردية وكأنها أحداث تعاويذ أو سبحونات أو حكايات تمررها على الذائقة، فَقَلَّ أن يتجاوزها القارئ، لما تحمله من أبعاد إنسانية وتشكل فني متقن يعطي للنص الأدبي رونقه، فلا يحمل فن القصة القصيرة أكثر مما يحتمل من حيث الأحداث والصور التي يجب أن يتم انتقاؤها واختصارها بمشاهد وامضة تحقق المتعة والفائدة وهذا ما سعت إليه هذه القصص.
وحينما نتأمل اللغة المستخدمة في هذا المجموعة لابد أن نتوقف عند مستويين مقدرين في النص السردي عموماً وقد وصفتهما الكاتبة في هذه القصص، فالمستوى الأول هو اللغة السردية التي اتكأت على ما لدى الحكاية من استنباطات ومواقف وصور ومشاهد يلهج فيها القائل، وتتقنها أداة القص، لتكون معياراً حقيقياً لبناء لغة سردية متكاملة العناصر وتتكئ بالضرورة على هاجس القص أو المحكي باعتباره سنداً فنياً مهم في كتابة القصة الحديثة.
أما وإن تأملنا المستوى الثاني من هذه اللغة المستخدمة في القصص فإننا سنقف -كقراء ومتابعين- على القاموس اللغوي الذي اخطته الكاتبة فجاءت النصوص إجمالاً بلغة غير متكلفة وتبتعد كثيراً عن الحشو والبلاغة، أو لنقل عنها البعد قدر الإمكان عن الرطانة من أجل أن تنجح في هذا السياق صورة النص القصصي القصير الذي يحتاج إلى مثل هذه اللغة الحصيفة والمتمكنة ليكون النص متكاملاً من حيث البناء واللغة والتشكل والحدث.
فكرة النصوص في هذه المجموعة منتقاة بعناية وشهدت تركيباً فنياً عالياً مما ساعد على وضوح هذه الأفكار وتحديد معالمها، لكي لا تميل إلى الإسهاب أو الشرح، أو الإطناب الذي قد لا يكون موفقاً في بناء هذه النصوص المتوامضة في شكلها ومضمونها، لتأتي فكرة النص منطلقة من رؤية محدد تريد الكاتبة من وراءها اكتمال رسالة النص القصصي وهذا ما برعت فيه.
أما شخوص هذه القصص فإنهم يسيرون خفافاً ووجلون إلى أهدافهم، لتأتي ومضات الوصف لوجودهم وهيئاتهم وخيالهم وواقعهم محملة على رَوِيُّ الجمال والحب والسكون الذي يمكن لنا من خلال هذه المحاورة أو المشاجرة اللطيفة أن نقرأ أبعاداً جمالية خدمت هذه الشخصيات وأسهمت في اكتمال منظومات السرد في هذا الفضاء المعد بعناية وحسن ترتيب.
** ** **
إشارة:
- خاصرة الضوء (قصص قصيرة)
- زينب إبراهيم الخضيري
- أدبي المنطقة الشرقية - الدمام - 1435هـ
- تقع هذه المجموعة في نحو (132صفحة) من القطع المتوسط