في شهر مايو الماضي قضيت عطلة أحد الأسابيع في ضيافة عائلة بريطانية في قرية صغيرة في مقاطعة Susseex.
جاءت هذه الزيارة عن طريق موقع The Host UK الذي يعمل كحلقة وصل بين الطلاب غير البريطانيين وبعض العائلات البريطانية المتطوعة لاستضافة هؤلاء الطلاب. تقوم فكرة الموقع التابع لمنظمة غير ربحية على استقبال طلبات الطلاب الراغبين في قضاء إجازة من هذا النوع على أن تكون هذه الطلبات مزودة ببياناتهم الخاصة كافة وتفضيلاتهم لقضاء الإجازة (في الريف أو المدينة) كذلك نوع الأنشطة التي يفضلها الطالب ويرغب بممارستها وطبيعة الأطعمة التي يتناولها التي لا يتناولها.
بعد استلام الطلب تقوم المنظمة بالرجوع إلى قائمة العائلات المتطوعة المسجلة لديها لاستضافة الطلاب ويتم اختيار أنسب العائلات لبيانات الطالب ثم يتم التواصل مع العائلة وإطلاعها على ملف الطالب ومدى إمكانية استضافته، بعد الاتفاق بين المنظمة والعائلة المتطوعة يتم الاتصال بالطالب وإبلاغه ببيانات العائلة ووسائل التواصل معهم وموعد الزيارة وهنا ينتقل التواصل ليصبح بين الطالب والعائلة مباشرة.
يهدف the host UK إلى توفير فرصة للطلاب من مختلف الدول للاطلاع على ثقافة البلد عن طريق الاحتكاك بأهله والعيش لأيام كفرد في إحدى عائلاته، كذلك كنوع من المساعدة لتطوير لغة الطالب الإنجليزية من خلال ممارستها مع العائلة المستضيفة.
تجربتي مع الموقع والعائلة أستطيع تصنيفها تحت سقف أهم خبراتي الحياتية بشكل عام، وبشكل خاص أهم خبراتي أثناء الدراسة بالخارج. تجربة ثرية من أول تعبئة الطلب حتى آخر تلويحة وداع في القطار العائد لمدينتي. عائلتي الريفية كانت مكونة من زوجين (ستيف) مهندس متقاعد و(ليندا) أخصائية علاج طبيعي متقاعدة أيضا، أرسلت ليندا لي في البداية إيميل يحوي تعريفا مفصلا لهما وأرسلت لها في المقابل تعريفا مفصلا عني.
في اليوم المحدد وصلت لمحطة القطار، حيث كان الزوجان بانتظاري، البهجة التي استقبلاني بها ربتت على قلبي بأني فرد من العائلة ينتظران قدومه بشوق. هذه الروح في استقبالهما لي جعلتني أتفكر في الدافع الذي يجعل شخصا ما يبذل كل هذا لغريب ودون أي مقابل وبكل حب! وصلنا للمنزل والحب يزداد ويتسع. كل ما في المنزل وما يحيط به دافئ جدا وكأنك في بيتك وأكثر، حديقة تلوح لك بكف شديد الخضرة في كل مرة تميل نظرك يسارا عن عيني مستضيفيك، جيران طيبون يرحبون بك وكأنك ضيفهم جميعا. الشاي والكيك الإنجليزي أول ما يستقبلك قبل أن تكتشف أن مستضيفتك طباخة من الدرجة الأولى وهذا واحد من أنشطتها المتعددة.
هذه الزيارة أو هذان الشخصان بالأصح فتحا لي أبوابا كثيرة للتفكير، للتأمل، للرغبة في التغيير. من باب التأمل والتفكير، أي إنسانية تجعلك تفتح قلبك قبل بيتك دون وساوس أو شكوك لآخر مختلف عنك تماما جاء من بعيد قد لا تعرف منه إلا موقعه على الخارطة، وكيف يكون العطاء حباً حين تفكر فيما تملك وفيمن يحتاج فتسارع للبذل. ومن باب التفكير أيضا ولكن مع الرغبة في التغير، لكل واحد من الزوجين ما لا يقل عن خمسة أنشطة منها الفردي ومنها الجماعي، الأسبوعي والشهري، ومن هذه الأنشطة ما يؤديانه معا كالاعتناء بالحديقة، التطوع كعائلة مستضيفة، السفر، التنس والرحلات البحرية ومنها ما يؤديه واحد دون الآخر. حين تكون فوق الخامسة والستين وفي حوزتك كل هذه الأنشطة فأنت قد قررت الفوز في الحياة ورتبت نفسك له، ولديك خطتك لأن تكون كل مرحلة حياتية قادمة من عمرك هي الأفضل والأكمل على الإطلاق وهذا ما يفتقر إليه البعض حين يصلون لعمر مماثل لستيف وليندا إذ يصلون بأيدٍ خاوية من أي نشاط فيتدبر الملل والرتابة أمرهم وفي أحيان الاكتئاب.
أخيراً، من الصعب اختصار هذه التجربة بأيامها الثلاثة وليلتيها في عدد من النقاط فهي أعمق من مجرد استضافة شخصين لطيفين أو عمل إنساني وخبرة ممتعة. هي حياة والحياة لا تختصر ولا توصف بدقة.