ما الذي يدفع إنساناً للسطو على فكر وجهد آخر ونسبته إلى نفسه؟ هل هو الكسل كما يشاع واستسهال اقتناص الأفكار الجاهزة؟ أم الخواء وغياب الضمير واحترام ملكية الآخر؟ وماذا عن سلطة القانون؟
يشتكي بعض المبدعين بأن النصوص التي يعملون على بثها في مواقع التواصل الاجتماعي سرعان ما يجدونها تلوح في فضاءات العالم الافتراضي دون اسم أو بأسماء مختلفة. وكانت إحدى التشكيليات السعوديات فجرت قبل نحو عامين قضية السرقة الفكرية والإبداعية في أوساطنا الثقافية باتهامها أحد التشكيليين بسرقة عملها الفني ونسبه إلى نفسه بعد أن أوهمها وعددا من التشكيليات بعمل معرض فني مشترك سطا كما قالت على بعض لوحاته، ولم ينس المشهد أيضا بعد الضجة التي ترافقت قبل مدة مع قضية الرسوم الكاريكاتورية المسروقة من صحيفة أجنبية.
الأمر الذي نجده يسري على عدد غير قليل من النصوص الإبداعية، والدراسات البحثية والفكرية في العالم كما سبق، وحدث مع فقرات كتاب الدكتور عبدالله الغذامي (النقد الثقافي) من قبل الجزائري حفناوي بعلي التي ضمنها كتابه، الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2010م. وكما تعرضت مواد صحافية لي للسطو، كنت أيضا يوماً شاهدة على حادث سرقة بعدما حضرت محاضرة في نادي أدبي الشرقية ألقت فيه المحاضرة التي تحمل لقب دكتورة وأستاذة في الجامعة ورقة بحثية بحسب وصفها، قمت بطلبها منها بعد انتهاء المحاضرة لكتابة تغطية صحافية عنها، غير أنني ورئيسة اللجنة النسائية وقتها الكاتبة فوزية العيوني تفاجأنا بكون المحاضرة ضمت إلى ورقتها البحثية حزمة أوراق كاملة بحواشيها منسوخة من كتب أو كتاب دون الإشارة إلى أنها استعانت بها أثناء القائها لورقتها، إضافة إلى عدم اهتمامها بإخفاء معالم ما قامت به بأي أسلوب كان. وهو ما يدعو للتوقف حيال هذه الحالة ودراستها.
ورغم أن موضوعاً مثل هذا يتم إثارته بين وقت وآخر بخاصة مع كل بروز لقضية سطو جديدة إلا أن أكثر ما استوقفني بهذا الخصوص ما طرحه الباحث محمد القشعمي عام 2008 في نادي أدبي الشرقية.
فبعد أن أوضح القشعمي الفروقات بين مفهوم كل من الانتحال والادعاء والإعارة والمرافدة والاختلاس والمواردة والالتقاط، وعرض أبرز الآراء والكتابات التي تناولت تحليل ظاهرة السرقات الأدبية، خاصة بعد أن عادت اليوم بصورة حديثة تتلاءم مع معطيات عصر التقنية والتوجه نحو النشر الإلكتروني، وعبر عن رأيه باقتضاب حيال الأقاويل المنددة بالسرقة، قائلاً انه «لا بد من التشهير المؤدب».
بدا من الطريف والذي استفز بعض الحضور تأكيد أبو يعرب أن المرأة بريئة من تهم السرقات الأدبية والصحافية براءة الذئب من دم يوسف، مؤكدا أنه لم يُعثر على أي تهمة أو محاولة أو اسم نسائي متورط في سرقة أدبية سواء في العصر القديم أو الحديث، أو في الصحافة المحلية السعودية خلال الـ50 عاماً الأخيرة. مرجحا أن يكون سبب ذلك تأخر دخول المرأة مجال الكتابة مقارنة بالرجل، ولكون الكثير من النساء في الماضي فضلن الاعتماد على الكتابة باسم مستعار.
ورغم حادثة الأكاديمية السابقة غير أن معطيات الواقع تجعلني أرجح مثله عدم شياع السطو في الوسط الفكري والإبداعي الأنثوي -ما لم يتبين في المستقبل خلاف ذلك- ربما لطبيعة الأنثى الحريصة عادة على اتقان ما يستهويها من مهارات وربما يعود السبب لميلها للحفاظ على صورتها أمام الآخرين، وقد يكون السبب نابع من غريزة الأمومة والمربية التي تسكن داخل الأنثى في العادة سواء كانت أما بيولوجية أم لا، وتدفعها نحو الحفاظ على بعض القيم التربوية. وتشهد عمليات السطو الفكري والإبداعي انتشاراً في الآونة الأخيرة مع غياب ثقافة احترام حقوق الملكية الفكرية، وحب البروز و سهولة الوصول إلى المعلومة في وسائل التواصل الاجتماعي إضافة إلى عدم تفعيل سلطة القانون الرادع. وفي هذا السياق يؤكد المحامي الدكتور بدر البصيص بأن الاشكال يكمن في تنفيذ النظام بشكل قوي ورادع لكي تحترم حقوق الملكية الفكرية وهو ما ينهض عليه الاقتصاد المعرفي، فالدول المتقدمة تضع حقوق الملكية الفكرية من أهم أولوياتها ، ونحن يوجد لدينا نظام حماية حقوق المؤلف، والذي تعتبر الجهة المنفذة له وزارة الثقافة والإعلام ممثلة بإدارة حقوق المؤلف، وهي تضم لجنة قضائية مختصة بالنظر في المخالفات الناتجة عن عدم الالتزام بنصوص النظام أو أي شكاوى تخص انتهاكات حقوق المؤلف ومقرها وزارة الإعلام». وتكشف مواقع التواصل الاجتماعي أن عمليات السطو ظاهرة لا تقتصر على النخب المثقفة فقط بل تنسحب أيضا على العموم وأنصاف المتعلمين الذين لا يطيب للعديد منهم إعادة نشر مادة مترافقة مع اسم صاحبها.
والسؤال المطروح، لماذا لا يتم تدريس ضوابط الملكية الفكرية واحترام حقوق المؤلف والمبدع للطلبة لدينا في المدارس؟ خاصة مع تصعيد إدانة أسلوب التلقين والحفظ الذي تفرضه المناهج واتهامه بالتسبب في الخمول الذهني وربطه مع ظاهرة عدم احترام الحقوق الفكرية للآخرين.