هذه رسالة علمية استكمل بها ابننا الدكتور نايف بن عبد اللطيف مبارك الهبوب متطلبات درجة الدكتوراه.
يثير عنوان هذه الرسالة أسئلة منها لمَ التفكير لا الفكر، ولمَ المقاصديّ لا القصديّ، ولعل إرادة التعبير عن التعدد هي ما اقتضت هذا الاستعمال، فالتفكير مصدر الفعل فكّر، وإنما يعبر بالتضعيف لكثرة الفاعل أو كثرة المفعول أو كثرة الفعل نفسه، وعلى الرغم من أن الأصل النسب إلى المفرد ساغ النسب هنا إلى الجمع لتعدد تلك المقاصد وتنوعها، ويلاحظ القارئ أن النحويين مقدم ذكرهم على الأصوليين في هذا العنوان حتى إذا شرع يقرأ الرسالة وأوغل فيها وجد أن الأصوليين مقدمين في الذكر على النحويين تقديمًا مطّردًا، وهو قد يرى بعد ذلك أن لو كان لفظ الأصوليين مقدمًا في العنوان أيضاً، ولكن يشفع لذلك أنّ واو العطف في استعمال العرب لمطلق الجمع غير مراد بها الترتيب حتمًا وإن كان الترتيب أولى. وتقديم الباحث الأصوليين في ثنايا بحثه موفق؛ لأن البحث النحويّ جاء في ساقة العلوم الإسلامية ابتداء من فهم نص القرآن والسنة ثم تفهم ما فيهما من شريعة وفقه، وكان الفقهاء أسبق إلى وضع أصول الفقه حتى إذا جاء الأنباري لتدوين أصول النحو التي استعملت منذ كان النحو عمد إلى أصول الفقه وجعلها أصولًا للنحو مركبًا عليها مُثُلًا نحويّة، ومن هنا تأتي أهمية موضوع هذه الرسالة التي تجلي القواسم المشتركة أو المختلفة بين تفكيرين: تفكير أصوليّ وآخر نحويّ؛ إِذْ كانا من منبع واحد. يعلم المتصلون بالنحو أن من الأصوليين من كتب في النحو حتى عُدّ من كبار النحويين كالسهيليّ والقرافي، والباحث عدّ السهيليّ في عداد النحويين، وانطلاقًا من هذه الجهود الأصولية المعروفة قد يتوقع قارئ عنوان الرسالة أنّ البحث مقصور على التفكير المقاصديّ بين النحويين ومن ضرب بسهم في النحو من الأصوليين، أي أن البحث نحويّ خالص آخر الأمر؛ ولكنه لا يكاد يمضي في قراءة هذا العمل الجليل حتى يدرك أنه موازنة بين تفكيرين تفكير أصولي وتفكير نحوي، بل ربما جار الحديث عن التفكير الأصولي على التفكير النحويّ.
درس التفكير المقاصدي واسع الجوانب متعدد الاتجاهات؛ إِذْ المقاصد قد تعني الأهداف إن كان المراد ما يُقصد إلى تحققه، وقد تكون المقاصد العلل إن كانت تفسيرًا للأفعال، وهو في الدرس اللغوي درس لجانب من جوانب علم استعمال اللغة.
بنيت هذه الرسالة بناءً منهجيًّا ابتداء بالتمهيد الذي بيّن جملة من المقدمات المعرفية حول التفكير المقاصديّ: مفهومه، ودلالاته الصرفية، ومسيرة التفكير المقاصدي بين الأصوليين والنحويين، وجاء الفصل الأول من الرسالة ليعالج المفاهيم والأنواع، ومن أبرز ما جاء فيه علاقة المقاصد بعلمي أصول الفقه والنحو، وعالج الفصل الثاني الأدوات المنهجية من وسائل استدلال وقواعد، وشروط، وتعارضات، وأما الفصل الثالث فدراسة تحليلية في المقاصد عالج فيه الجانب الأصولي والجانب النحويّ، ونجد في الجانب النحوي قصدهم إلى تفسير كلام العرب، وتبيّن معنى العبارة الذي قصده المتكلم، وتبيّن نية المتكلم في صناعة الكلام، وتبيّن كلام النحويين ومقصودهم، وقصد إبراز حكمة العرب في صناعة كلامها، وقصد حفظ نظام الفصحى وتعليمها، ومقاصد الكلام التواصلية، ومقاصد الوظائف النحوية.
ما من شكّ أن عمل الباحث هو ثمرة جهد بالغ يحمد له؛ ولكني كنت وددت لو اقتصر الباحث على المقاصد عند النحويين وعند الأصوليين النحويين بما شاركوا به من معالجة نحوية رائعة كما ظهرت في أعمال السهيلي والقرافي.