أتحفتنا المجلة الثقافية كعادتها بما هو مثير وإن كان هذا المثير مكرراً أتحفنا وكافة المعنيين بالأدب والبحث العلمي بما قاله د. ابن تنباك، وهو أستاذ له حضوره الجيد لولا بعض الهفوات التي اجتهد فيها فأخطأ لأنه ذكر شيئاً من غير آليات نصية أو أدلة علمية بل اجتهاد لا محل له وقياس مع الفارق.
وكثيراً ما يكرر بعض أطروحاته خاصة وأد البنات والذي جانبه فيه الصواب، وذكره أخيراً في الثقافية المرموقة عدد 542 من يوم 29-1-1436هـ، ومن المعلوم أن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وهذه قاعدة أصولية في علم الأدلة وابن تنباك ليس مالكاً لدليل يحسن السكوت عليه إلا مجرد النفي دفاعاً عن الثقافة العربية كما يكرر دائماً، ومن المعلوم أن الدكتور رجل ألمعي ومجرب وهو لا يريد الشهرة والصيت بهذا، لكنه فهم خطأ، وهذا الخطأ الذي ارتكبه قد لا يغفر له عبر التاريخ لأنه لم يؤصل المسألة ولم يبحثها جيداً عبر الأدلة ولاسيما وقد قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ}. وقد نهض المفسرون على أن قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ} إنما هذا من فعل بعض الذين يخشون العار أو الفقر الجوع المفضي إلى الموت ويسميه بعض المفسرين (شدة الفاقة).
وتأويلات الدكتور حول هذه الآية لا تقوم لأن الأصل عدم التأويل بل العمل بظاهر النص وقد قال ابن كثير إمام أهل التفسير ـ بعد ابن جرير الطبري ـ في الجزء الرابع من تفسيره ص 474 - 475 طبعة (دار الفكر) قال: (الموؤودة هي التي كان أهل الجاهلية يدسونها في التراب، فيوم القيامة تسأل الموؤودة على أي ذنب قتلت ليكون ذلك تهديداً لقاتلها).
وورد هناك عند ابن كثير وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وإذا الموؤودة سئلت) أي سألت، وكذا قال أبو الضحى: سألت أي طالبت بدمها وعن السدي وقتادة مثله.
وقال ابن كثير (وقد وردت أحاديث تتعلق بالموؤودة فقال الإمام أحمد حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني أبو الأسود وهو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن عائشة عن جزامة بنت وهب أخت عكاشة قالت حضرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى قوله: (ثم سألوه عن العزل فقال ذلك الوأد الخفي وهو الموؤودة سئلت).
ومن المعلوم للدكتور الفاضل هداه الله ان الوأد الظاهر هو قتل الفتاة حية وإلا فالعزل لا شيء فيه لقول جابر رضي الله تعالى عنه: (كنا نعزل والقرآن ينزل).
وورد في نفس الصفحة 476 و477 آثار ثلاثة كلها تدل على الوأد من ذلك قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: (النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والموؤودة في الجنة). وقد أطال ابن كثير وابن جرير الطبري.. وكذا ابن العربي والشوكاني على هذا.
وهؤلاء هم أهل الاختصاص بمدلولات الأدلة ولا سيما وهم محل ثقة وأمانة بمعرفة أسرار اللغة وهم أقرب إلى عهد النبوة ومعرفة الآثار.
ونقدر لهذه المجلة الحية تجددها وإثارتها الرائدة نقداً وثقافة، كما أقدر للدكتور اجتهاده الذي لعله يعود عنه بروح أدبية كما عهدناه عنه.