كانت توبة حاضراً في قلب ليلى الأخيلة، كما قد كانت ليلى حاضرةٌ فيه، ولكن عندما يكون الغياب المادي هو الظرف القاهر لأحد طرفيّ العشق.. يبالغ الحضور العاطفي في ذهن كلٍ منهما، كنوعٍ من التوازن ملأ الفراغ الذي خلفه ذلك الغياب، فكيف وقد ساقت الأقدار توبةَ إلى حتفهِ؟, وأكدت سنن الكون أن لا إياب بعد الغياب الأبدي.
ورغم ذاك، فإن قانون الحضور والغياب في لغة العشق يختلف عن قانون الحضور والغياب في السجلات الإدارية!، لذا فقد كانت ليلى لا تتذكر أنها أخلفت ميعاد ذكرى فقيدها، لها حالة تفصح عن حالها القائل: والله إني لستُ أذكرهُ، وكيف أذكرهُ إذ لستُ أنساهُ.
ولا يزال توبة في عينها، هو أشجع وأكرم وأنبل.... وكل ما هو على صيغة أفضل الناس، فهو الأساس لكل فرع أو أساس، وهو الرقم القياسي الوحيد.. في كل قياس، فحضورهُ رغم أنه قد مات.. فرضية لا تقبل الرفض، وغيابه عنها.. حقيقة لا تقبل الأخذ!
وفي يومٍ أرادت الأقدار أن تختبر مكنون ليلى، إذ سمعت من يلمزهُ في غيابه الأبدي، فما كان منا إلا أن قامت لتكشف الستار عن المفقود فيهم، الموجود فيها، مرتجلة ما قالته آن ذاك :
مَعَاذَ إلهي كان والله توبةٌ
جواداً على العِلاَّت جَمّاً نوافلُهْ
أغرَّ خَفَاجِيّاً يرى البخلَ سُبّةً
تحَالِف كفَّاه النَّدَى وأنامِلُهْ
وقد علم الجوعُ الذي كان ساريَاً
على الضيف والجيرانِ أنك قاتلُة
وأنك رَحْبُ الباع يا تَوْبُ بالقرَى
إذا ما لئيمُ القوم ضَاقَتْ مَنَازِلُهْ
يَبيت قريرَ العين مَنْ كان جَارَهُ
ويُضحِي بخيرٍ ضَيْفُهُ ومُنَازِلُهْ