لا خبرة لي في مدى صعوبة الإمساك بأرنب لكني متأكدة أن كسب القارئ مهمة صعبة خاصة في زمن الصورة والعروض المرئية المبهرة والثري دي والإتش دي وأخواتها، وعندما أشاهد المجاميع البشرية الضخمة التي تتواجد في معارض الكتب أتساءل هل قدرتنا القرائية موازية لقدرتنا الشرائية للكتب؟
هل نشتري الكتب لنقرأها أم لنصورها للأصدقاء مستعرضين حصليتنا الشرائية وأذواقنا في القراءة!
ثم ننساها في ركام الكتب الكثيرة، تضيع منا في زحمة عروض الأفلام ومقاطع اليوتيوب والكيك وكل برامج التواصل الحديثة!
لماذا نقرأ؟
هل نبحث عن المعرفة أم الترفيه؟
هل نحاول اكتشاف ذواتنا من خلال القراءة أم نكتشف الآخرين؟
لماذا نحرص على اقتناء هذا الكتاب أو ذاك؟
من المحبط أن عملية القراءة يحكمها الوعي الجمعي لا الفردي، بمعنى أن تتواتر الأخبار عن الكتاب الفلاني، أحدهم يضع صورته والآخر يتحدث عنه والثالث يثني عليه وهكذا.. ترتفع غيمة ذلك الكتاب وتمطر مبيعات وقراءات، والمشكلة هنا ليست في تواتر الأخبار بل فيمن يصنعها، المشكلة أن الوعي الجمعي غير واعٍ، وغير ناضج، سطحي وساذج، وأذكر في معرض الرياض قبل الماضي شاهدت طوابير من البشر تقف أمام إحدى دور النشر، توقعت أن هناك توزيعا مجانيا للكتب أو تخفيضا في أسعارها، وعندما اقتربت عرفت أن كتابا لأحدهم تواترت عنه أخبار الوعي الجمعي، وطبقت شهرته الآفاق قبيل المعرض، كنت أشاهدهم وأشاهدهن يتدافعون ويتدافعن من خلف منصة البائع للحصول على الكتاب! تذكرت مشهدا لمجموعة من الفقراء في دولة فقيرة تتزاحم وتتدافع للحصول على رغيف خبز!
شاهدت نفس الرغبة الملحة والتدافع وتزاحم الأجساد وتمنيت لحظتها لو أننا نقرأ الكتب بنفس النهم الذي يدفع شخصا جائعا للحصول على رغيف خبز، لو أن ما يدفعنا لشراء كتاب هو النهم لقراءته لا مجرد الرغبة بالحصول عليه.
لكننا ننقاد لشراء الكتب مدفوعين بالتماهي مع الوعي الجمعي، ليس هناك وعي ذاتي ناضج يعرف ماذا يشتري وعن ماذا يبحث؟
ثقافة القطيع سائدة ومهيمنة على أرقام المبيعات، لذلك من المحبط جدا أن تقرأ هذه الأرقام لكتب تطفو على السطح لخفة ما فيها، بينما كتب مهمة وعميقة لا يبحث عنها أحد.
وفوجئت في ذات المعرض أن دار نشر كويتية لا تعرف من إسماعيل فهد إسماعيل، توجهت لها ليقيني أنهم يعرفونه وأن كتبه موجودة لاشك لديهم، لكني عندما سألتهم كررت اسمه مرتين ولم يتبينوا من هو!
كنت أتحدث عن عظم مكانته ككاتب كويتي معروف بينما البائع يعرض علي كتبا جديدة لمؤلفين آخرين آملا أن أستعيض بهم عنه!
من الجور الكبير للوعي الجمعي أن يغيب كاتبا كبيرا ويروج للأدنى، مثل هذا الوعي لا يمكن أن يخلق مناخا ملائما للكاتب الذي يراهن على أرقام المبيعات كي يكتب! لذلك يفترض ألا ينقاد الكاتب للوعي الجمعي، بل يجب عليه أن يسيج ذاته بوعيه ويكتب لأن الكتابة أرضه الخصبة التي لا ينازعها عليه أحد، لا أرقام المبيعات ولا بائع في دار نشر ولا هيئة تمنح جوائز ولا نقاد يتوهمون أنهم يحسنون صنعا.