منذ مئة عام بل تزيد سعى كثير من الباحثين والمحقيقين وسعى ذوو القدرات المحبة لعمل الخير المطلق وسعى المعنيون في طرق شتى، سعوا جميعاً المسئول منهم والمستقل إلى الجهد الجيد لإنشاء المجامع العلمية والهيئات العليمة.. وكذا المجامع اللغوية والمراكز التاريخية حتى الجامعات دخلت حمى السباق لا تلوي على شيء سعت من خلال المجالس العلمية، ومراكز البحوث والندوات الجيدة المعتبرة كل أولئك لا أشك ولا غير من المعنيين عن: الموهبة.. والتجديد (1).
سعوا لإحياء ليس: اللغة.. ولا النص.. ولا العلم فكل هذا مدون ومسطر في الأسفار الخالدة مما خلفه القروم عبر الأزمان، إنما سعوا لإضافة ما.. أو تجديد ما.. أو بعث لنازلة بتعليل عاقل حر مستقيم، لست أزعم اليوم أنني مطلع على كل شيء وأقرأ كل شيء وأنا مع كل شيء لكنني فيما يخص: العلم..واللغة.. وعموم أطروحات: التاريخ.. والنقد.. والإدارة أظن أنني في هذا لا أقل عن غيري ممن لهم سبق كبير عمراً وتجوالاً وحضوراً وإن كنت أصغر سناً ولم أجس ما جسوا من الديار.
إنني أرى خلال قرن سلف وها هو يتصرم مثله أرى ما أرى من هذا الكم الجيد المعتبر المشكور من هذه الهيئات.. والمجامع.. والمراكز لكنني لم أر وهذا فهمي ودرايتي لم أر إضافة سباقة يقول القائل: لم تكن قد لم أر هذا. لم أره.
ولا يحسن (هنا) جعل الجسارة في الطرح أو قوة الرأي بعرض ما يتم عرضه أو جعل الجرأة في البحث أو الإنشاء المهول أو كثرة المصادر وقوة الجاه لا يحسن أبداً هنا الخلط بين التجديد وهذه الاعتبارات لا سيما مع قلة القراءة الجليلة المركزة في مثل هذا الحين. (2)
وإن نحن فعلنا هذا وآمنا به واتخذناه سبيلاً كنا كمن يصطاد طيراً ثم هو يطلق ثم يصطاده ثم هو يطلق وهكذا فيزعم أنه اصطاد خمسين مرة فماذا نسمي هذا..؟ ماذا نسميه..؟
كنت من خلال حضوري المؤتمرات خاصة في سياسة الإدارة العليا الدقيقة، وكذا: القضاء.. والتاريخ. (4).
ومن خلال تدريس في مجال الدراسات العليا كنت أركز على نحو جيد، كنت أراه كذلك، كنت أركز على الآتي:
1 - ما هو البحث؟
2 - لماذا هذا البحث؟
3 - حقيقة المصادر؟
4 - أصول المصادر.
5 - حقيقة الدليل.. وصحته.
6 - ضبط التعليل بضابط مستقيم.
7 - جلب رأي جديد قدر المستطاع.
8 - إضافة مهمة ولو كانت ضيقة.
9 - قوة المراجعة وتكرارها.
10 - التنبه لطرد التشابه في الآراء.
11 - الحذر من العجلة بأي صورة.
12 - ضبط معايير نظر سياسة الإدارة العليا.
13 - ضرورة الاستفادة من كل حضارة بحذر.
14 - إبعاد هاجس الإعجاب بالنفس.
15 - طرد إرادة المصلحة الذاتية بأي حال.
16 - الصراحة بصدق التوجه وبعث عمق العقل.
17 - فهم معنى: (الإضافة) بصورة علمية.
وإلى هذا كنت أوجه من معي بإبقاء البحث أو الدراسة أو الرأي حتى بعد الانتهاء منه مدة ما بين: (5) إلى (10) أيام فقد يبدو ما لم يكن بالحسبان من إضافة غائبة أخرى (وفوق كل ذي علم عليم).
ولهذا لم أزل أعتب على مثل أ. إبراهيم البليهي، ود. حمزة السالم، و د. حمزة المزيني و أنور عشقي وعبدالوهاب أبو سليمان و أ. عبدالرحمن السدحان.
لم أزل عاتباً عتاب أخ محب مقدر على ما يبذلونه من جهد جيد ملموس نحو ما ينحون نحوه كل بسبيله الذي يريد بيانه وإيصاله وذلك لتكرار ما يتم طرحه وإن اختلف الأسلوب بين مقالة ومقالة وبحث وبحث ورأي ورأي.
فحينما تبحث عن إضافة أو سبق مهم فيما يكتبونه ويرونه لا تجد شيئاً ذا بال مع أنهم قد يملكون معايير القدرة نحو السبق التجديدي بجانب حسن أخلاقهم وحسن أسلوبهم، ومعنى هذا معناه (وهم صورة لصور أخرى) أنهم سوف يستمرون على هذا النحو في: الفكر.. والاقتصاد واللغة.. والنقد.. والآراء الفقهية.. والإدارة.
ليس هذا فحسب بل يرونه لصالح المقيم إذا وجد بعضهم عاضداً أو ناقداً دع عنك (نقد التطرف) فهذا ليس بشيء.
ولو كنت مثلاً قد قرأت ما يكتبه أ. إبراهيم البليهي قبل نشره لعلقت عليه بما يلي:
1 - ثم ماذا؟
2 - أين التغيير؟
3 - أين الإضافة؟
ومع أنه يقرأ ويبحث لكنه يعرض فقط، ومع أنه جيد الاطلاع وذو نفس طويل إلا أنه يعاود مجرد العرض والتكرار بجرأة فإذا أنت انتهيت من قراءته لا تجد تحت الخبأ إلا الرمل.
إن عملية التجديد والنوعية العالية من جلب الآراء والنظريات إذا أنت أعجبت بها فعرضتها ودعوت لها
1 - ماذا يسمى هذا..؟
2 - كيف تحكم عليه..؟
3 - بأي عقلية تقرأ له..؟(5)
فالبليهي ومن ذكرت لا جرم نحن بحاجة إليهم كثيراً في وطن مبارك فتح مجال سقف حرية الطرح الجيد للوصول إلى (الإضافات النوعية). كل في مجاله.
وليس هذا وكفى فإن الإمام البخاري.. ومسلم.. والشاطبي.. وابن فرحون.. والقرافي.. وكذا: أبو يوسف.. ومحمد الشيباني.. وابن تيمية في (النبوات).
وابن قيم الجوزية في (إعلام الموقعين) كلهم طرح آراء غيره ونظريات غيره وآثار غيره ودلل وعلل لكنهم أضافوا بما لم يسبقهم غيرهم عبر تجرم القرون الطوال.. (6) وحين أضافوا وجددوا بجرأة وحنكة ودهاء وسداد وزخارة علم مكين قال التاريخ (أنتم إذاً بإذن الله تعالى من الخالدين). وهذا كله مع مئات من كبار العلماء والباحثين كانوا موجودين زمن هؤلاء (كل في حينه) فكيف لم يبرز وتخلد آثار وآراء إلا هؤلاء.؟
السبب هو نقلة نوعية مسددة جزماً أقول (ولا ينبئك مثل خبير). جاؤوا بها بحنكة وسعة عقل وصفاء ذهن وقاد وجرأة عاقلة متأنية إذا هذا هو السبيل لإشباع العقل بما لم يصلح إلا به من عمل جيد سباق نحو مدارك القول فيما من شأنه تحريك العقل بعيداً عن: العرض والتحليل.. والنقل.. وتكرار الطرح.
والميل نحو: أبجديات الخطاب المباشر. (7).
هذا هو السبيل لبعث العقل الجري نحو: الضغط على دواخل العقل بضابط صحة الإنتاج الفذ بترك ما يطرح اليوم بين وقت ووقت. ليس إلا، وهذا مني لأنني أرى فيمن أشرت إليهم مع آخرين ما يمكن (والله حسبهم) أنهم من ذوي القدرات الجيدة التي أرى منهم حيال (الإضافات) شيئاً جيداً وأرى منهم وهي دعوة مني إلى البدء ذلك ولو بعد (حين قريب).
** ** **
(1) انظر: مجمع اللغة - بالقاهرة.
و مؤسسة آل البيت - بالأردن.
والمجمع الفقهي بمكة
وجمعية التراث بالدوحة
(2) نفس المصدر.
(3) وحي القلم - الرافعي. م - 1 حتى 118 وم - حتى 130.
(4) حال المتهم في مجلس القضاء - لابن لحيدان - ط2 - (المقدمة) فقط.
(5) سورة النحل حتى آية (65).
(6) تذكرة الحفاظ للذهبي م - 4 حتى 218 و219.
(7) سورة سبأ حتى آية (39).