تفسح الترجمة المجال للتبادل الثقافي بين الشعوب. ويُعد انتشار المنجز الإبداعي البشري وتوسيع دائرة التعرف عليه أحد استحقاقات الترجمة التي هي عملية نقل نص من ثقافة إلى ثقافة أخرى عبر الاشتغال على تحويل لغة البلد الأصل للنص للغة أجنبية. وقد لعبت الترجمة دوراً رئيساً في تكريس حضور عيون الأدب العربي والعالمي في الوجدان الإنساني. وهنا يبرز سؤال: ماذا عن حظ منجزنا الإبداعي المحلي من الترجمة؟ وهل يمكننا أن ندعي أننا غدونا متواصلين حقاً مع العالم الذي أصبح كما نردد قرية صغيرة، ومنجزنا الإبداعي والمعرفي لا يزال كثير منه رغم جودته يفتقر لفرصة ظهور تتيح للآخر التعرف عليه؟ متسائلين عن دور مؤسساتنا الثقافية في تفعيل حركة الترجمة لمنجزنا الروائي والمسرحي والنقدي الذي هو بحاجة إلى عملية نقل إلى اللغة الإنجليزية وإلى غيرها من اللغات العالمية الحية أيضاً، كما نتساءل: هل الأندية الأدبية هي مؤسسات معنية بالترجمة أم أن علينا أن نستحدث مراكز مختصة بذلك؟ وهل أثبتت الأندية على مدار السنوات القليلة الأخيرة أهليتها للعب هذا الدور بعد تصديها له؟ وأخيراً ما الذي حققته الأندية حتى الآن في هذا الخصوص على أرض الواقع؟ عندما نلقي نظرة سريعة على مشاريع بعض الأندية الأدبية في الترجمة نجد أن نادي جدة الأدبي أعلن إطلاق مشروع طباعة الرسائل العلمية في الأدب السعودي، وهو مشروع يعنى بتشجيع إجراء البحوث العلمية التي تتناول الأدب السعودي باللغتين العربية والإنجليزية، وترجمتها بالتبادل. ومن المعروف أن الإقبال على قراءة الرسائل العلمية لا يشهد عادة رواجاً بحكم اللغة الأكاديمية الجافة المتخصصة المستخدمة في كتابتها؛ إذ ما يمكن أن يستقطب القراء هو المنجز الإبداعي نفسه. وفي السياق ذات أعلن قبل أكثر من عام نادي أبها الأدبي تصديه لتنفيذ مشروع لترجمة الأعمال الخاصة بمنطقة عسير، ومطبوعات النادي، وترجمتها إلى الإنجليزية، إضافة إلى ترجمة بعض الكتب الإنجليزية إلى العربية. وحتى الآن لا نعلم عما اتُّخذ في هذه المشاريع من خطوات. كما أعلن نادي نجران الأدبي قبل عام أيضاً توقيعه اتفاقية تعاون وشـراكة مع مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر بمدينة القاهرة. مشيراً إلى أن الاتفاقية تتضمن منح النادي حق طباعة ونشر وتوزيع جميع إصداراته لمدة ثلاث سنوات، وطبع ونشر الكتب المترجمة المقترحة وتنسيق الدورات والورش العلمية في جمهورية مصر العبية، وكذلك ترجمة بعض الكتب السعودية إلى اللغات المختلفة في شكل انطولوجيات. وهي اتفاقية - كما تبدو - متعددة البنود، وفضفاضة الطموحات، لكننا حتى الآن لا نعلم إن كان تحقق أي من بنودها على أرض الواقع. فيما انفرد نادي جازان الأدبي - كما يبدو - قبل أكثر من عام بإعلانه عن نجاحه في ترجمة مجموعة «الأوغاد يضحكون» القصصية لعبده خال، ضمن مشروعه للترجمة. ورغم قلة ما حققه فإنه يعتبر إنجازاً بالنسبة للأندية الأخرى. وربما تكون أبرز محاولة للإسهام في ترجمة المنجز الإبداعي المحلي على مستوى الأندية الأدبية وأولها أيضاً، التي تم فيها اتخاذ خطوات عملية، هو مشروع الترجمة الذي كان يقوم عليه نادي أدبي الشرقية بإشراف الدكتور أحمد الشويخات, والذي لم يرَ النور للأسف حتى الآن، رغم اكتمال ترجمة نصوصه حسبما قيل وتوقعات صدوره في الربع الأخير من العام 2010، وكان عبارة عن كتابين، أحدهما للشعر والآخر للقصة القصيرة، كان من المزمع طباعة 3,000 نسخة من كل منهما للتوزيع المجاني على السفارات والمعاهد والجامعات العلمية وكليات الأدب والترجمة والأدب المقارن والجهات الدولية المهتمة بالتبادل الثقافي في المملكة العربية السعودية وخارجها، وكان من المتوقع أن تقوم وزارة الثقافة والإعلام السعودية بهذا التوزيع المختار لأغراض ثقافية وإعلامية خارج المملكة. وقد تولى العمل في المشروع عدد من اللجان الإدارية والاستشارية، إضافة إلى التحرير والمراجعة، وكنت ضمن فريق مراجعة النصوص العربية وتنسيق أعمال الترجمة. وقد تضمن مشروع الكتاب الأول (نصوص من الشعر الحديث السعودي 1975 إلى 2009) قصائد لنحو 50 شاعراً وشاعرة، فيما تضمن الكتاب الثاني (قصص حديثة من المملكة العربية السعودية 1975 إلى 2009) قصصاً لنحو 50 قاصًّا وقاصة منذ سبعينيات القرن العشرين الميلادي حتى 2009، تم ترشيحها من قبل الهيئة الاستشارية للمشروع من أجل إعطاء صورة أولية عامة عن المشهد الشعري والقصصي الحديث في البلاد وصيرورته وتوجهاته وتحولاته على صعيد الأشكال والمضامين والاهتمامات بحسب تعريف المشروع. أما آلية عرض مادة الكتابين فهي حسب التسلسل الزمني لصدور الأعمال. ويتضمن نهاية كتاب الشعر فهرسَين حسب الألفبائية الإنجليزية، أحدهما بأسماء الشعراء والشاعرات والآخر بأسماء القصائد. وفي نهاية كتاب القصة أيضاً فهرسان حسب الألفبائية الإنجليزية، أحدهما بأسماء القاصين والقاصات والآر بأسماء القصص. وقد وافقت على العمل ضمن المشروع بمكافأة رمزية جداً نحو أربعة أشهر، امتدت من فبراير حتى مايو من العام 2010 في مراجعة النصوص العربية وتنسيق أعمال الترجمة، والتواصل مع الأدباء للحصول على النصوص المرشحة أو البحث عنها عبر الكتب في حالة تعذر الحصول المباشر عليها، ومتابعة طباعتها ومراجعتها لغوياً، والتأكد من سلامتها قبل إرسالها إلى المترجمين. وكذلك حفظ أرشيف النصوص العربية، واستلام الترجمات الإنجليزية. ولم تكن تلك بالمهمة السهلة، غير أنني استمتعت بالاطلاع على عشرات من النصوص الإبداعية، التي أتمنى بشدة أن تجد طريقها للنشر بعد الجهود التي بذلت في المشروع. ولا أظن أنه كان من العسير على الإدارة المعينة للنادي أن تتولى إتمام ما تبقى من خطوات طباعة المشروع الذي كان سيحسب لها العمل على إتمامه أو مطالبة وزارة الثقافة بتولي المهمة. ومن هذا العرض البسيط نجد أن الأندية الأدبية ليست المؤسسات المؤهلة حقيقة لتولي مشاريع الترجمة، فعملها فيها بطء ومرتبك، ومن دون ثمار. فنحن بحاجة للجنة وطنية أو مؤسسة مختصة بعلوم الترجمة لتنهض بهذه المشاريع، يكون لها موازنة جيدة تمكنها من المضي بتنفيذ المشاريع للنهاية، ويقوم عليها مترجمون مختصون، وتخضع في عملها لخطة عمل مؤسساتي منظم؛ حتى تؤتي الترجمة لدينا ثمارها المرجوة.