هكذا يُكتب، ننطقه في الفلبين كما في الإنجليزية هوزية، وفي العربية يصبح، كما في الإسبانية خوسية، وفي البرتغالية بالحروف ذاتها يكتب, ولكنه يُنطق جوزيه، أما هنا في الكويت، فلا شأن لكل تلك الأسماء باسمي حيث هو.. عيسى!
هكذا ابتدأ السنعوسي ساق البامبو بالتعريف باسم هذا الشخص الذي يبدو للقارئ أنه إنسان من الفلبين، نشأ عيسى بين الأشجار في كوخ بسيط لجده لأمه مع والدته وخالته رغم أنه ابن راشد الكويتي لكن عيسى ابن غير معترف به في الكويت، فهو ابن الخادمة ابن لزواج خاطئ اجتماعياً.. تصف جوزفين الخادمة لابنها عيسى..
(فالحب وحده لا يكفي لأن تقترن بفتاة أحلامك، قبل أن تقع في الحب.. كما فهمت من راشد, يجب أن تختار الفتاة التي سوف تقع في حبها, لا مكان للصدفة والظروف في ذلك.. يبدو أن بعض الأسماء تجلب العار للبعض الآخر).
ذهب عيسى للكويت، للبلد الذي طالما حلم به وتصوره سنين طويلة من قصص والدته.. وأن الكويت هي أرض الميعاد لشاب فلبيني لا يتقن العربية حتى بملامح فلبينية واسم كويتي.
تفاجأ عيسى بعائلته التي تختلف معه ابتداءً باللغة ومروراً بالتفكير وانتهاءً بكل ما يمت له بصلة.
رواية تضج بالإنسانية واللا انتماء ذات حبكة رائعة.. تدهشك، سيتنقل بك السنعوسي من زمن لآخر، الزمن الأول قبل نشأة عيسى.. إعجاب راشد بخادمته وإنجاب الطفل عيسى، زمن نشأة عيسى في الفلبين حتى بلوغه، زمن العودة للكويت والبحث عن الهوية الضائعة والالتقاء بالعائلة.. استطاع السنعوسي أن ينتقل بين ثقافتين، مجتمعين، فكرين، وطنين، لوهلة يشعر القارئ أنه فلبيني بين أشجار البامبو يشعر بشعور النبذ والضياع ولوهلة ثانية يشعر أنه كويتي باسم العائلة الذي يحمله وجيناته التي تظهر بصوته وسحنته..
استمتعت بقدرة السنعوسي على وصف منزل عيسى وعائلته في الفلبين وصفه للكوخ وسور المنزل ومراهنات الجد على مصارعات الديك جعلتني أعيش وأشتم رائحة الشجر، وصفة للفقر الذي عانته هذه العائلة الفلبينية وكأن الاكتفاء والكرامة الإنسانية في هذا البلد شيء دخيل وغريب،كيف أن الإنسان الفقير يدفع بكل إنسانيته للحصول على معجزة تخوِّله للسفر للخليج للعمل، وكأن العمل في منازلنا صك إفراج من سجن الفقر الذي يضطر الإنسان أحياناً لبيع جسده. كان اختيار شجرة البامبو ذكياً وذا أبعاد للرواية على الصعيد الإنساني والمادي، فشجرة البامبو أينما زرعتها تنمو وتؤسس جذوراً جديدة، شجرة لا انتماء لها، لا لأرض والدها ولا أرض والدتها، كهوزيه كعيسى بلا أرض.. بلا ذاكرة!
العودة.. والرجوع:
عاد عيسى ذو الأصل الكويتي، ذو الملامح الفلبينية للكويت، ذو الصوت الكويتي والثقافة الفلبينية، هل سيقبله المجتمع كفرد منه، هل سيقبل عيسى بنفسه أولاً؟!
هل الحياة في الخليج كسهولة الحياة في الفلبين؟ أو مجرد راحة مادية فقط؟!
الجميل في الرواية هي استغلال السنعوسي لشخصية عيسى البريئة في حوارات مهمة.. لكن لم يحمل شخصيات الرواية أكثر مما تحتمل!
سألته بفضول: - من أين أنت إذن؟
أجاب على الفور: - بدون
قلت له والحيرة في رأسي
- حقاً؟! حسبتك كويتياً!
لم يتفاعل مع حيرتي قلت:
- بدون.. لم أسمع بهذه الدولة من قبل!
أهم عنصر يجب أن تقدمه الرواية هو المتعة، والسنعوسي بكل اقتدار استطاع أن يوفرها في 396 صفحة تضج حيناً بالمتعة وحيناً بالحكمة استقاها من الفلبين والكويت!
مخرج:
ليس المؤلم أن يكون للإنسان ثمنٌ بخس، بل الألم، كل الألم، أن يكون للإنسان ثمنٌ!