مع بزوغ شمس الربيع العربي.. وحضور التيارات الإسلامية في المشهد، كثر الحديث عن وجود فاشية دينية تستخدم العنف لفرض الأفكار وتستخدم الدولة للقضاء على الخصوم غير الإسلاميين..إلخ، ورغم مشروعية أي نقد إلا أن الشيء الذي لم يتحدث عنه هؤلاء أن كلمة «الفاشية الدينية» تحيلنا إلى أن هناك خطرا آخر وهو «الفاشية اللادينية».
الفاشية اللادينية هي تلك التي تعتقد أن وجود التيارات الدينية بحد ذاتها مشكلة عويصة وتتعامل مع التيارات الدينية وجودياً كخطر يجيز استخدام العنف ..واستخدام آليات الدولة واستخدام الأجهزة الأمنية وممارسات التعذيب والقمع والاضطهاد للتيارات المخالفة والمختلفة لمجرد انتماءاتها الفكرية أو الإيدلوجية أو خياراتها الدينية.
الفاشية اللادينية لديها طوطمها الخاص ووثنيتها المستقلة.. ووكتبها «الأرضية» المقدسة ومبادئها غير القابلة للجدل والنقاش بل والتي تودي بك للكفر العقلي -إذا صحت العبارة- فهناك نواقض خاصة للإيمان العقلي بهذه الفاشية التي قد تتعامل مع وجود أحزاب ذات إيدولجيات مختلفة وتقبل بها.. وأحزاب لها انتماءاتها الفكرية الشبيهة تماماً بطبيعة الحركات الدينية بل واللصيقة في طريقتها الحزبية والتنظيمة بل وربما تبادلت التأثر والتاثير في فترات مختلفة.. ومع ذلك يتم استهداف شريحة محددة داخل المجتمع لأنها تنتمي لتيار ديني معين وإسلامي خاص كالإخوان المسلمين، على حين أن كل التيارات والأحزاب تحمل ذات الخصائص «الدينية» في طبيعة تحركاتها واهتماماتها وتعاملها مع كتب مقدسة أو شبه مقدسة.. كما قال أحد المحللين ذات يوم «لكل حركة قرآنها»!
استهداف التيارات الإسلامية في الوطن العربي أو الحركات الكبرى فيه.. إذا استمر بطريقة استبعاد تيار عريض من داخل المجتمع بشكل فج وشرس لايؤدي لموت هذا الحراك ولا لطبيعته واهتمامه.. هو فقط يحضّر ويجهّز لأحد نتيجتين طبيعيتين:
الأولى: يكون هذه الاستبعاد للحراك الإسلامي أو لحركة إسلامية ما كالإخوان في مصر يؤدي بهذه الطريقة لمحاولة دفعهم باتجاه استخدام القوة والعنف وهذا يكسب خصومهم مصداقية في دعوى تلبس الحركة كلها بالعنف.. ويكسب خصومهم مشروعية في التعامل معهم كجماعات مسلحة تستهدف السلم الأهلي والأمن العام كما يحب دائماً أن يعبر مستبدو ماقبل الربيع العربي لتبرير استهدافهم لها.
الاحتمال الثاني: أن يكون هذا الإقصاء اللاديني لتيارات دينية دافعاً لها لنتيجة أخرى هي سلوك سبيل الاغتراب عن الناس والعزلة الشعورية وتكوين مجتمع خاص بها يعمل في الظلام ويمارس حريته الطبيعية في مناطقه الخاصة ويصنع عامله الداخلي الخاص به في دولته الصغيرة..
في كلا الحالتين: التيار والحركة لن تنتهي ليس لأنها استثناء أو لأنها تحمل عناصر البقاء.. ولكن لأن الاستهداف السياسي والفاشية اللادينية ضدها هو ما يمنحها الطاقة المتجددة للاحتجاج وهو ما يعطيها المرونة للتمرد على محاولات الإقصاء. كل الحركات التي يتم استهدافها بشكل مباشر وعنيف ويتم إقصاؤها بشكل فج.. لا تنتهي بل تتحول مع الوقت لرمز احتجاج ثابت.
القصة أن الفاشية عمل لا أخلاقي قد يمارسه الديني كما يمارسه اللاديني، وقد يتم استهداف شريحة لأنها متدينة بشكل ما أو منتمية لحركة دينية ما، كما قد يتم استهداف شريحة لأنها غير متدينة بشكل ما أو منتمية لحركة دينية ما. الفاشيون إخوة لعلّات يمارسون ذات الطبائع والخصائص وقد يختلفون في المسميات وطبيعة ترويج إيدلوجياتهم أو التبرير لعمليات الإقصاء والاستبعاد للمختلفين الفكريين أو الحركيين.
الفاشيون اللادينيون هم أفضل من يروج للفاشية الدينية لأنها الشيء الوحيد الذي يعطيهم الأمل بالحياة والوجود للتصارع.. والفاشيون اللادينيون هم أفضل من يعبّر عن الفاشية الدينية ويسلّط الضوء حولها ويحاول أن يقنعك بأنها تشكل الشريحة الأوسع داخل المتدينين لأن ذلك يعطيه الإحساس الهش بالأهمية في الحياة ويعطيه الإحساس الكاذب بالنضال ضد اللاشيء. ولذلك شخصياً أحمل قناعة قديمة بأن التطرف في فهم الدين والتطرف ضده يحمل نفس الفهم للدين الذي يعني العنف والإرهاب.. لكن الفريق الأول آمن به خطأً وقبل به وطبقه بكل عنجهية .. والفريق الآخر آمن بهذا الفهم كفهم صحيح للدين ولأجل ذلك رفضه كمشروع حياة فهو لا يريد للآخرين الإيمان به ..لأنه يعني بالضرورة -عنده- حمل كل تلك العنجهية والإرهاب والتطرف.. وهذا بالتحديد مايفسر الاحتفاء المبالغ فيه لوجود العنف والعنجهية والإرهاب من قبل بعض من يصنفون أنفسهم كملاحدة صارمين مثلاً.. بل وارتفاع أسهمهم في فترات صعود الإرهاب والعنف والتطرف.
وليس غريباً بعد هذا أن يكون أفضل من يروج للفهم المتطرف والعنفي والشاذ للدين رغم صغر حجمه وندرة أتباعه هم من يصنفون أنفسهم باللادينيين بالشكل الفاشي لأن ذلك التطرف والعنف والإرهاب هو الطريقة الأفضل لتبرير مواقفهم الفاشية.. فأفضل من يتحدث عن الفاشية ووجودها هي الفاشية المضادة حين تريد التبرير لفاشيتها.
والحل ليس في تقديم فاشية أو فاشية جديدة.. بل في الاعتراف غير المشروط بكل فصائل المجتمع وتعدديته وقبول الاختلاف فيه كقدر لازب.. «ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم».