وجّه الإعلامي عبدالله المديفر - في برنامجه «لقاء الجمعة» - سؤالا مهماً إلى د.عبدالله الوشمي عن رأيه في القول بـ «موت الأندية الأدبية»، ورأيه في فكرة «المراكز الثقافية»، فأجاب الوشمي بقوله:
«الأندية - كغيرها من مؤسسات الدولة - على قيد الحياة، تعمل وتنشط، لكنني دائماً أقول: إن المؤسسة مفتوحة للجميع، ومن حقّ الجميع أن يصفها وينتقدها، وأن يثني عليها... ومن خير الثقافة والمؤسسات اللغوية والإعلامية أن تظلّ مُطالَبةً.. وأرى أن المطالبة بالتحوّل إلى المركز الثقافي - وهو الشائع - بديلاً عن النادي الأدبي يجب أن يُحرّر كثيراً؛ لأنه إن اختصرنا البديل بتغيير اللوحة فلن تتغير الأشياء.. الأندية لديها ممارسات مميزة جدا، لكنها تظلّ مرهونة بسقف إداري يتصل بميزانية ضعيفة، وبصلاحيات ليست قوية جيداً، مع ذلك لا بد أن أقول : إنّ هناك تجارب مميزة لبعض الأندية...».
إنّ هذه الإجابة تلخّص الرؤية العامة التي بنيتُ عليها ردّي المطوّل على الصديق سعيد الزهراني، والتي يمكن أن تحدّدها بشكل أكثر دقةً النقاط الثلاث الآتية :
1- رفض فكرة موت الأندية الأدبية وقبول أي شكل من أشكال النقد الموضوعي.
2- المطالبة بتحرير فكرة المراكز الثقافية قبل مباركتها، أو التوجّه إلى تفعيلها.
3- النظر إلى « الأندية الأدبية « بوصفها منجزاً وطنياً خدم الثقافة والمثقفين في سياقات متعدّدة ومتجدّدة أيضاً.
هذه هي النقاط الثلاث التي ينهض عليها موقفي الرافض لما انطوى عليه تقرير الصديق سعيد الزهراني، المنشور هنا تحت عنوان: « متى يعلنون وفاة الأندية الأدبية ؟ «، ولي على فكرة المراكز الثقافية - التي احتفلَ بها كثيراً - جملة من الملحوظات، من أهمِّها :
1- أنّ تفعيل فكرة المراكز الثقافية تتطلب إيماناً تاماً بالدور الذي يؤدّيه المثقف على المستويات المتعددة (السياسي والاجتماعي والاقتصادي)، ولا يكفي أن يُختزل هذا الإيمان في وعود أو احتفالات بائسة، وإنما يجب أن يأخذ مسارات عملية واضحة، تفعّل فيها التوصيات المهمّة التي انتهت إليها ملتقيات المثقفين، واهتمّت بها مقالاتهم ومشاركاتهم المتعدّدة.
2- أنّ فكرة المراكز الثقافية لم تحظ بدراسة جادة رغم مرور أربع سنوات (وربما أكثر) على طرحها في الصحافة وفي الملتقيات والمنتديات الثقافية.. وكلّ ما طرح - في هذا السياق - لا يعدو كونه كلاماً سطحياً، يعبِّر عن رفض الحالة الراهنة للأندية الأدبية أكثر مما يعبِّر عن أيِّ شيء آخر، بمعنى أن فكرة المراكز الثقافية تأخذ أهميتها في طرح بعضهم من كونها بوّابةً للخروج من حالة الأندية الأدبية أكثر من كونها فكرة مستقلة لها منطلقاتها ووسائلها وغاياتها الخاصة. ولذلك تبدو فكرة المراكز الثقافية للراصد كما لو كانت ردّ فعل غير مدروس على موقف غير موضوعي أيضاً، ولا يمكن - بحال من الحالات - أن ينجحَ مشروع ثقافي بهذه الصورة المشوّهة.. وهذا ما أخشاه على المراكز الثقافية، خاصة في ظلّ مبالغة كثير من المثقفين والإعلاميين في تصوير مردودها، ومراهنتهم الكبيرة على نجاحها.
3- أنّ تخوّف الدكتور الوشمي من اختصار فكرة المراكز الثقافة في «لوحة جديدة» يأخذنا إلى سؤال مهمّ عن الإضافة التي ستقدمها المراكز الثقافية في ظلّ غياب المتطلبات الرئيسة لتفعيلها، ومن أهمّ هذه المتطلبات : صدور الموافقة على نظام وآليات المجلس الأعلى للثقافة، وإسناد جميع الشؤون والأنشطة الثقافية إلى هذا المجلس، وتمكينه - ماديا ومعنوياً - من إعادة صياغة المؤسسات والأنشطة الثقافية، ورفع مخصّصاتها المالية، وتوسيع صلاحياتها الإدارية، ومنحها الثقة لتقوم بالوظيفة المسندة إليها على أكمل وجه.
إنّ جزءا كبيراً من المشكلات التي تعاني منها الأنشطة الثقافية اليوم يعود إلى غياب هذه المتطلبات الرئيسة وليس إلى خلل في المؤسسة أو في الأنشطة نفسها؛ لذلك قد لا نجني شيئاً من المعالجات التي لا تضع في حساباتها تحقيق هذه المتطلبات المهمّة.
هذه الجزئيات الثلاث (الإيمان بقيمة المثقف ودوره، دراسة فكرة المراكز الثقافية، تحقيق المتطلبات الثقافية الرئيسة) مهمّة لنجاح فكرة المراكز الثقافية ولنجاح أي فكرة مشابهة، وأحسب أنّ تجاهلها سيفضي بنا جميعاً إلى تحوّل شكلي لا تستوعبه إلا اللوحات والشعارات والوعود الجميلة، وأخشى أن يأتي يوم نعلن فيه وفاة المراكز الثقافية، كما يفعل صديقي الزهراني اليوم مع الأندية الأدبية !
وأخيراً : أشكر للصديق سعيد الزهراني سعة صدره، وأقدّر له ردّه، وأرجو أن أريحه حين أخبره بأنني لستُ محسوبا على أي ناد أدبي، وليس في بطاقتي التعريفية - كما ظنّ - انتماءٌ إلى هذه المؤسسة، ولا إلى الوزارة، وجميع عضوياتي في أدبي الرياض قد علقتها منذ سنة ونصف السنة؛ لذلك لا أمثل هنا إلا نفسي.. أقول هذا ليطمئن الصديق العزيز.. وله، وللثقافية، ولعملنا الثقافي، المحبة الصادقة والدعوات.