حين تُدَكّ مدينة في نقطة على خط طول أو دائرة عرض على استدارة هذه الكرة, حين تُدَكّ هل تموت حقاً؟! أم تحيا في مكان آخر؟!
أو هل تموت مدينة لم نعد نريد أن نحبها كما يقول (بريتون) (1):
«ماتت المدن التي لم نعد نريد أن نحبها»؟!
أتساءلُ وأنا أذهب إلى مسافة شاسعة بأن المدن التي لا تموت ولا تحيا مدن طارئة على جغرافية الزمان وحده, وإلاّ فالأمكنة الحقيقية لا تعترف بالاحتضارات المقسطة حين يكون الاتفاق مسبقاً على أمور تخص الجذور, والأصالة, والالتفاف, ولا بأس بأعمدة الإضاءة, _ التي تقوم بدور دفاتر الهواتف لأرقام محلات التوصيل المجاني- وأشجار الزينة, وأماكن تعليق زينة الأعياد, والساحة التي يضرب فيها الولد كل عصر ولا يتوب! وأن الأحياء الفقيرة لابد لها أن تلتصق أو تتكرمش تبعاً لقوام عجينة اليوم والتفاصيل.. تورّم البيوت, والالتهاب المزمن لضجيج الأرصفة, وأطفال المدارس الذين يتعاركون عند الأبواب من أجل لعبة إلكترونية، وفي جيوب حقائبهم الكثير من الحلوى المنسية من يوم أمس, والأوراق التي تخص حضور الأب أو الأم! والنملات الخارجات من أسفل الجدار مثابرة وحزماً غير عابئات تماماً بهذا العالم الصاخب, ولا حتى بـ Larry2 الذي يُسَقسق بالشتائم في حين أن حرفة الطير هي التسبيح.
وأن تكون المظلات المتاحة قصيدة مرمزة أو لوحة سُريالية حين تجلس المدينة تقرأ نفسها في كتاب رحَّالة ضعيف البصر كان سيقوم السيد (Google) من مكانه ليعدّل له الكتاب المقلوب, أو أن خطط الاختباء البديلة عنّا لابد أن تلبس زياً موحداً وتعمل من المنزل يوماً واحداً في الأسبوع.
كل شيء في المدن التي نحب ونكره, مُسَعّر بثمن غال لدرجة الخرافية والاستحالة, ورخيص جداً لدرجة الهبة بلا ثمن ولا ملصق تسعير, كطبيعة الأشياء التي تحقق الموت والحياة معاً متناقضة بمرتبة الخزف, والطينية, والعطش كحبنا المتحرك بثبات لها!
تحيا المدن وتموت ولا نتساءل هل للمدن التي نحبها نفايات؟! هل تكنس نفسها باستمرار وتغسل العتبات والنوافذ؟! سؤال.. ولا أظن كثيراً أن (أفلاطون) تساءل هو الآخر أيضاً عن نفايات مدينته.
***
(1) André Breton الشاعر الفرنسي المعروف
(2) اسم الطائر الذي يظهر في شعار (Twitter)
الرياض