عندما تقرأ رواية «رقصة أم الغيث» للروائي عبدالرحمن العكيمي، الصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون عام 2010، ستجد أنك أمام فكرة عظيمة جدا، أفسدها الكاتب بحيث كتبها في روايتين وليست رواية واحدة، إحداهما تحمل لغة شعرية بالدرجة الأولى، حتى أن الاشتغال على اللغة أثّر كثيرا على بنية السرد في النص وخثّرته كثيرا، مما سيدفعك أحيانا لإكمالها على مضض، والثانية رواية ذات لغة سهلة لكنها انزلقت في هفوات فنية لم يكن لها مبرر، هفوات أفقدت البناء الفني قيمته، مما أثر على الرواية ككل.
فالعكيمي في هذه الرواية كان مشتتا بشكل واضح، فمنذ بداية العمل ستشعر باستعراض العضلات اللغوية حتى تصل إلى منتصفها، لتتحول اللغة بعد ذلك إلى لغة سردية غاية في السلاسة لكنها تقدم أحداثا غير منطقية دون ربط ومبررات فنية.
وإذا ما حاولنا أن نستعرض العمل ككل فيمكننا أن نعتبر بأن الصحراء هي البطل الرئيسي للعمل، فالرواية تتحدث عن صراع الإنسان مع الأرض وعلاقته بها، وذلك حين يتأخر نزول المطر عن قرية من قرى شمال المملكة تسكن الصحراء، فتصاب بالقحط الذي يسلب أرواح أهل القرية، ويسلب ذكورة بعضهم أيضا، فيلجؤون إلى فكرة الرحيل هربا للعيش، ثم يعدلون عن ذلك ليستعيضوا بأسطورة قديمة تقول بأن الرقص يجلب المطر، فيقمن نساء القبيلة برقصة «أم الغيث»، ويهطل المطر بعد ذلك.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فالرحيل كان وراء أهل القرية، فبعد الوحشة التي شعر بها الأهالي جراء موت الكثير من رموزهم، رغم هطول المطر تدفعهم للرحيل إلى مدائن صالح، لكنهم يبدؤون في سؤال الحلال والحرام، وما الحكم الشرعي في سكناهم في هذه المنطقة المحرمة دينيا نظرا لارتباطها بأقوام طغاة، فهذه الفكرة تلح على الوافدين الجدد حتى يقررون الذهاب إلى «تيماء» بغية القرب من المراعي والمياه العذبة التي يمثّلها «بئر هداج»، فيرحلون مرة أخرى.
إلى هذا الحد ستقرأ رواية لغة متكلفة لا طائل من ورائها، فقد نحت الكاتب لغة هذا الجزء من العمل حتى أفسد نصه، وفجأة يتحول السرد إلى لغة سهلة تختلف بالمطلق عن سابقتها، لكن ما يأتي بعد ذلك يحمل سقطات فنية غريبة، حيث يبقى من رحل من مدائن صالح لمدة قصيرة في تيماء ثم يعودون إليها مرة أخرى، عندها يمكنك أن تتساءل ما مبرر العودة في ذلك، وستتفاجأ أيضا بأنهم حين يعودون إلى مدائن صالح سيفاجؤون بموت أحد أبطال الرواية «أبو هاجع» فيعودون خائبين إلى تيماء مرة أخرى، وكأن الحدث عبارة عن ذهاب وإياب دون أي مسوغات لذلك.
في الفصول الأخيرة من النص تقفز أمامك حكاية «هيا» وابنتها «حنان»، وزواجها من «سالم» وطلاقها فيما بعد؛ مما يؤثر على مشاعر الأم التي تتجه إلى ساحر ليربط سالم عن زوجته الجديدة انتقاما من طلاقه لابنتها. حسنا.. ما الداعي الأساسي لهذا الحدث الذي أخذ صفحات طويلة من النص في نهايته؟ وخُتمت الرواية به، فليس له أية علاقة بأي حال من أحوال ببنية النص الأصلية، وهذا ما يمثل بأنها رواية أخرى لو اقتطعت من النص لما أثر على النص الأصلي.
إن كتابة الفن الروائي لا تحتاج من الكاتب إلا أن يكون سادرا مقنعا، حين يقدم حدثا ينبغي أن يقدمه بطريقة مقنعة قبل أي شيء آخر، فاللغة الشعرية لا تغني عن أحداث تفتقر للترابط، وهذا ما يدفعني لأن أقول بأن الكاتب كان مشتتا أثناء كتابته للعمل.
أتصور بأن على كل كاتب إيجاد نفسه قبل كتابة أي عمل؛ لكي لا ينهزم أمام النص بشتاته هذا، لأن من يريد أن يصل للناس، عليه أن يصل لنفسه أولا، لكن رغم ذلك يحسب للنص فكرته العظيمة التي قبض عليها «العكيمي»، فهي فكرة هائلة وملهمة، واستشهاده بالأبيات الشعرية «العامية» التي تدلل على حضور الأسطورة في وعي أهل الصحراء، وتوظيف الأسطورة التي كانت أهم ميزات العمل، وهذه التجربة الروائية هي الأولى للكاتب، فينبغي أن نغفر له كل الهفوات التي حدثت، فجودة كتابة الرواية فعل تراكمي، فكلما حفر الكاتب أكثر في الكتابة والفن، كلما كان قادرا على كتابة نص جيد فيما بعد.
Alwan_mohd@hotmail.com
تبوك