بداية المعرفة:
أول مرة سمعت فيها باسم الصديق الأستاذ الدكتور عبد الله الصالح العثيمين كانت بعدما أصدر الأديب الشيخ عبد الله بن إدريس الطبعة الأولى من كتابه الشهير (شعراء نجد المعاصرون) وذلك في عام1380 -1960. لقد سمعت عن الكتاب من بعض أساتذتنا في المعهد العلمي بشقراء، وسمعت شيئا من حواراتهم بشأنه وبخاصة ما يتصل ببعض المذاهب الأدبية التي أوردها الشيخ ابن إدريس في القسم الخاص بالدراسة من كتابه وكانت مثار اهتمام الأساتذة، لقد سمعت، وربما كان ذلك لأول مرة، عن بعض المذاهب الأدبية الكبرى مثل: الكلاسيكية، والرومانتيكية، والواقعية. وقد اشتريتت الكتاب وقرأته بنهم، وكان مما لفت نظري فيه أنه قد اشتمل على ثلاثة شعراء كلهم يحملون لقب( عثيمين)، من بينهم الشيخ محمد بن عبد الله بن عثيمين المولود في بلدة السلمية بالخرج، وصالح الأحمد العثيمين وعبد الله الصالح العثيمين (المولودان في مدينة عنيزة)، ولعل مما ربط هذا الاسم بذاكرتي جيدا أن أخوالي كانوا يسكنون في شقراء في بيت كبير استأجروه من آل عثيمين وهم (أبناء عم الدكتور عبد الله). الاسم ليس غريبا عليَّ بل هواسمٌ جذاب في حقيقة الأمر. كانت القصائد التي نشرها الشيخ ابن إدريس للدكتور عبد الله قصائد وطنية تتحدث عن فلسطين والجزائر وغيرها من مواجع الأمة العربية، وكان المد القومي العربي آنذاك على أشده تغذيه الآلة الإعلامية المصرية العالية النبرة. كان هذا في عام 1380 وما أعقبها من سنوات ذلك العقد الزمني. ثم غاب العثيمين عن خاطري سنين طوالا ليظهر فجأة أمام عيني في صيف عام 1971 أمام مدخل مستشفى شهير بإدنبرة يعرف ب: The Royal Infirmary
كنت قد جئت في ذلك الصيف برفقة الزميل الأستاذ الدكتور عبد العزيز المانع من مدينة بورنموث حيث كنا ندرس اللغة الإنجليزية، جئنا إلى إدنبرة لنبحث عن سكن لأسرتينا في هذه المدينة الأسكتلندية الجميلة ؛لأننا سنلتحق بالجامعة في شهر سبتمبر من ذلك العام، وقد ذُكِرَت لنا أسماءُ بعضِ الذين يدرسون هناك من السعوديين ومن بينهم عبد الله العثيمين، وعبد الله الجربوع، وعبد الله الحييد. وسألنا عن الجربوع، وهو آخرهم مجيئا إلى إدنبرة، فقيل لنا: إنه يرقد في المستشفى المشار إليه سابقا لعارض صحي ألم به فقررنا لحظة وصولنا أن نزوره مع أنه لم يسبق لنا أن رأيناه من قبل، وخلال الزيارة حدثنا عن الزملاء الموجودين في إدنبرة وقال لنا: لا بد لكما أن تتصلا بالعثيمين فإنه عمدة السعوديين في هذه المدينة، وودعنا الجربوع في سريره. وبينما كنا نهم بمغادرة مدخل المستشفي إذا بالعثيمين أمامنا، ولم يسبق لنا أن رأيناه أيضا من قبل لكنه العثيمين لا تخطئه العين في أي موطن وُجد، كانت البسمة على محياه تجذبك إليها كما يجذب المغناطيس الحديد، وقد استجبنا للجذب. لقد جاء العثيمين إلى المستشفى زائرا لزميله الجربوع فأصر عندما قابلناه على أن نعود معه إلى غرفة الجربوع، التي خرجنا منها للتو، ولو لبضع دقائق ليقضي واجب الزيارة ثم نخرج، وقد فعلنا.
منذ تلك اللحظة الحاسمة على مدخل المستشفى بإدنبرة انعقدت بيننا وبين هذا الرجلِ الاستثنائي، الذي اجتمعنا الليلة لتكريمه، صداقة وثيقة ومعرفة عميقة وأكرم بها من صداقة وأنعم بها من معرفة..
لم تطل إقامة الدكتور عبد الله معنا في إدنبرة طويلا بعد ذلك اللقاء إذ إنه بعد عام وبعض الأشهر(1392-1972) حصل على شهادة الدكتوراه وذلك على رسالته عن «الشيخ محمد بن عبد الوهاب، دراسة لحياته، وتحليل لإنتاجه العلمي، وإيضاح لعقيدته وأفكاره، وآراء معارضيه». وبعد ذلك بقليل عاد إلى المملكة، وبعودته ترغ فراغا كبيرا ليس فقط بيننا نحن السعوديين، بل لدى كلِّ العرب في إدنبرة، والباكستانيين، والاسكتلنديين وغيرهم ممن كانوا على صلة به. ولكنه ظل وفيا في الأعوام التالية لعودته لأصدقائه ولمدينته، فكان يسعدهم بزياراته كلما سنحت له فرصة. وكان لا ينسى إتحافهم بما هو موجود في الوطن مما لا تجده هناك. لقد بعث إلي بالبريد في سنة من السنوات كرتونا مملوءا بالفقع الرَّطب (كمأة)، وعندما أحضره ساعي البريد، وكانت رائحة الفقع تفوح من الكرتون، قال لي: غريب أمر صاحبك لقد أرسل إليك كرتونا من البطاطس الفاسد. ظنه المسكين بطاطس. (اللي ما يعرف الصقر يشويه).
إطلالة على سيرة الدكتور العثيمين:
ذكر الشيخ عبد الله بن إدريس أن الدكتور العثيمين قد ولد في مدينة عنيزة عام 1356 وأنه نشأ بها نشا ة متوسطة الحال، وفي السابعة من عمره دخل مدرسة تعِّلمٌ القراءة والكتابة والحساب، ولكنه سئم هذه الدراسة فتوجه إلى الرياض وهو في الثانية عشرة فعمل سمسارا-دلالا- مدة سنة ونصف، ثم رجع إلى عنيزة ليصبح عاملا فلاحا. وبعد مدة من الزمن ألزمه والده دخول المدرسة، أو الذهاب إلى الرياض فاختار المدرسة، وإن كان لها كارها، ودخل السنة الرابعة واستمر حتى حاز الشهادة الابتدائية، ومن ثم دخل المعهد العلمي بعنيزة,وكان موفقا وناجحا في دراسته... إلا أنه لما نجح إلى السنة الخامسة من المعهد العلمي فوجئ بفصله من الدراسة لأسباب لا يعرفها، على أنه أكمل دراسة هذه المرحلة» (شعراء نجد، ص، 189).
وقد حصل على الشهادة الثانوية من المعهد العلمي بعنيزة (منتسبا) عام 1377، كما حصل على شهادة المعهد العلمي السعودي بمكة (منتسبا أيضا )عام 1378. ثم التحق بجامعة الملك سعود بالرياض عام 1379(شعراء نجد المعاصرون. ص. 189)، وقد اختار قسم التاريخ من بين بقية الأقسام، وفي السنة الأولى في الجامعة كتب مقالا نقد فيه بعض أعضاء هيئة التدريس فاشتكاه الأساتذة إلى إدارة الجامعة وطالبوا بفصله ففصله مجلس الجامعة. وكان يتولى الإشراف على الجامعة في ذلك الوقت المرحوم الشيخ ناصر المنقور، وبعد شفاعات ووساطات عُدِّلَ قرارُ الفصل ليكون لمدة ثلاثة أسابيع فقط، وفي نهاية السنة الثانية من دراسته في الجامعة تعين سكرتيرا لوكيل الجامعة آنذاك معالي الأستاذ الدكتور عبد العزيز الخويطر وصار بحكم هذا العمل يحضر مجلس الجامعة لا بصفته عضوا بالطبع وإنما ليضبط محاضره بوصفه سكرتيرا لوكيل الجامعة، ولكم أيها الإخوة أن تتصوروا مشاعر الأساتذة أعضاء المجلس وهم يرون من فصلوه في العام الماضي أصبح يدون محاضر جلساتهم. إنه العثيمين الذي له من دلالة اسمه اللغوية حظ ونصيب.
وقد تخرج د. عبد الله في قسم التاريخ عام 1382- 1962. ثم ابتعثته الجامعة للحصول على الدكتوراه من جامعة إدنبرة وقد حصل عليها في عام 1392-1972 كما سبق أن ذكرت.
الجانب الأكاديمي:
بعد عودة الدكتور العثيمين من البعثة تعين عضو هيئة تدريس في قسم التاريخ وقد تدرج في الرتب الأكاديمية حتى حصل على درجة الأستاذية في عام 1402-1982.، وقد تولى رئاسة قسم التاريخ لمدة عامين، وعمل عضوا في مجلس كلية الآداب مدة ثلاث سنوات، وعضوا في المجلس العلمي بجامعة الملك سعود ممثلا لكلية الآداب لمدة أربع سنوات.
وبالإضافة إلى عمله بالجامعة فإنه كان عضوا في عدد من اللجان الهامة، فقد كان عضوا في اللجنة الاستشارية لوزير التعليم العالي لمدة أربع سنوات، وعمل مستشارا في وزارة التربية والتعليم (وزارة المعارف سابقا) للتطوير التربوي عدة سنوات، وهو عضو في مجلس أمناء مؤسسة حمد الجاسر الخيرية.
وقد عمل عضوا في مجلس الشورى منذ عام 1420-1999 إلى عام 1430-2009.
وهو عضو مراسل في مجمع اللغة العربية بدمشق، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير مجلة الدارة، ومجلة رسالة الخليج، ومجلة العرب.
والدكتور عبد الله العثيمين يعمل حاليا أمينا عاما لجائزة الملك فيصل العالمية، وهو يشغل هذا المنصب منذ عام 1407- 1987.
وقد نال الدكتور العثيمين جائزة الأمير سلمان بن عبد العزيز التقديرية للرواد في تاريخ الجزيرة العربية في عام 1426-2005 وهذه أول مرة تمنح فيها الجائزة.
الجانب الفكري:
التكوين العلمي للدكتور عبد الله ينصب أساسا على التاريخ وله في هذا الجانب مؤلفات رائدة، وهي تمثل مصادر رئيسة في حقلها، وسيتحدث عن هذا الجانب زميلي الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن صالح الهلابي ولذا لن أتحدث عنه، وإنما سأكتفي بإيراد عناوين بعض المؤلفات التي تتحدث عن نتاجه الفكري الممزوج بالسياسي.
من يجالس الدكتور العثيمين ويستمع إلى أحاديثه، أو يتابع قراءة ما يكتبه في بعض مؤلفاته أو في الصحافة، أومن يقرأ دواوينه الشعرية يجد أن الوطن العربي بجميع أقطاره هو همه الأكبر.
ومن مؤلفاته في هذا الحقل:
1- تأملات في التاريخ والفكر.
2- أنت يا فيحاء ملهمتي.
3- خواطر حول الوطن والمواطنة.
4- عن الوطن وإليه.
5- قراءة في كتابات عن تاريخ الوطن.
6- من وحي رحلات إلى خارج الوطن.
7- خواطر حول القضية.
8- كتابات عن التصهين.
9- مقالات عن الهم العربي.
10- أنت في مقالات عن فلسطين، والعراق، وقضايا مصيرية.
11- مقالات عن قضايا عربية.
12-عام من الذل والانخداع.
13- بيع الأوطان بالمزاد العلني.
النتاج الشعري للدكتور العثيمين:
بدأ الدكتور العثيمين نظم الشعر في فترة متقدمة من عمره، فقد أورد الشيخ ابن إدريس في ترجمته له قصائد نظم بعضها عندما كان طالبا في المعهد العلمي بعنيزة، وقد وصف ابن إدريس الاتجاه الشعري للدكتور العثيمين بقوله:
«شاعر تعتمل في نفسه -من خلال شعره- عواصف الثورة.. الثورة على كثير من أوجه الحياة المسلكية من تجبر وعجرفة تملأ إهاب الأثرياء، وذوي السلطان والجاه المزيفين. وبالجملة فهو من الشعراء الناقمين على المجتمع الذي تقدس فيه الماديات، وتحتقر المثاليات الإنسانية والخلقية، أو يكفر بها، وهو إلى جانب هذه الميزة شاعر صادق الوجدان، سلس التعبير في قوة وعمق واتساق.
وإذا عُدَّ شعراءُ البؤسِ والحرمان في هذه البلاد فإن شاعرنا عبدَ الله أحدُ الفرسان المغاوير في هذا الميدان»(شعراء نجد المعاصرون، ص، 189)
والشيخ ابن إدريس أصدر حكمه هذا بناء على ما كان بين يديه من شعر الدكتور عبد الله في ذلك الزمن الذي ألف فيه كتابه عن شعراء نجد المعاصرين، وأظنه لو كان قد اطلع على المجموعات الشعرية التي أصدرها الدكتور عبد الله بعد ذلك لكان له رأي آخر غير ما صرح به.
دواوينه الشعرية:
للدكتور عبد الله عشرة دواوين شعرية، تسعة منها بالعربية الفصحى وواحد يتيم باللهجة النجدية وعنوانه: «نمونة قصيد».
والدواوين التي بالفصحى هي:
1- بوح الشباب.
2- دمشق وقصائد أخرى.
3- صدى البهجة. يشتمل هذا الديوان على قصائد نظمها في تقديم الفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية.
4- عرس الشهباء وقصائد أخرى.
5- عودة الغائب.
6- في زفاف العروس.
7- لا تلوموه إذا غضبا.
8- لا تسلني.
9- مشاعر في زمن الوهج.
ولا يتسع الوقت المخصص لهذه الورقة في هذه الليلة لدراسة شعر الدكتور عبد الله والبحث في خصائصه وجمالياته، ولذلك سأكتفي بإيراد عدة أبيات من عدد قصائده تمثل اتجاهات شعره وفقا للأغراض التي نظم فيها.
ففي الجانب الوطني نجد له في بداية قوله الشعر قصيدةَّ أوردها الشيخ ابن إدريس عنوانها (ثورة لبنان، 1958) يقول فيها:
مثلما ينطلق الإعصار مجتاحا مهيبا
مثلما يقتحم الضرغام فتاكا غضوبا
مثلما ينفجر البركان مهتاجا رهيبا
قذفت ثورة شعب الأرز نارا ولهيبا
تصطلي من بات للدولار عبدا وربيا
يا جبال الأرز قد دوت نداءات الجراح
وتعالت كهزيم الرعد صيحات الكفاح
وانبرى الأحرار كالسيل إلى حمل السلاح
يا جبال الأرز ما أنت سوى حقد وثورة
ضد نكس رام أن يلهب فوق الشعب جوره
من رأى في الغرب معبودا ولن يعبد غيره
وعميل سوف يستأصل هذا الشعب أمره.
وله قصيدة وطنية قديمة أوردها ابن إدريس عنوانها (عيد الوحدة) يتحدث فيها عن الوحدة بين مصر وسوريا يقول فيها:
يا روابي الخلد حيي أمة
شُغفت بالوحدة الكبرى هياما
أمةً زَّفت إلى هام العلا
وحدةً رفًت على القطرين عاما
يخفق النصر على آفاقها
باسِم الثغر طَرُوبا مُستهاما
نفحاتُ (النيل) هزت( بردى)
فمضى يلقي على النيل الخزامى
والتقى الإخوان من بعد النوى
ودموعُ الِبشر تنهل انسجاما
فغدى الشعبانِ في قطريهما
دولة تأبى مدى العمر انقساما
(شعراء نجد المعاصرون، ص. 199)
وفي ديوان العثيمين المعنون: (لا تسلني) نجد قصيدة عنوانها (عنيزة والحلم الثاني)، وقد ذكر الدكتور عبد الله أن هذه القصيدة جاءت من وحي قصيدة مشهورة للأستاذ الدكتور نذير العظمة نظمها بعد زيارة لمدينة عنيزة وكان عنوانها (عنيزة والحلم) فقال العثيمين:
أيها الشاعر والفيحاء مهوى كل شاعر
قبَلَ الحسنُ على ساحاتها ثغرَ المفاخر
لحُنكَ الشاميٌ إذ ناجيتها هزَّ المشاعر
فأجابتك تليدا يصل المجد بحاضر
ورُبى يعمرها الإيمانُ طهرا ومنائر
وأجابتك جَمَالا حسنه للقلب آسر
لوحة وشحها الفن نخيلا وبيادر
وأصيلا فوق موج الرمل سحرِيَّ المناظر
والليالي قمَرٌ في بردهِ الفتان ساهر
خطف الغفوة من عينيه إيقاعاتُ سامر
أيها الشاعر أهدِي مقلة الفيحاء زهرة
حلما يرقص فيه ألف تساؤل وفكرة
وطني من عبق التاريخ يستلهم ذكره
مالك بن الريب في حضن الغضى يكتب شعره
والرديني لهيب في سبيل الحق ثورة.
(لا تسلني، 32- 33)
ومن ديوانه المعنون: «دمشق وقصائد أخرى» نورد أبياتا من القصيدة التي سمى الديوان باسمها وفيها يقول:
في مهجتي لربوع الشام تحنان
صانت حُميَّاهُ أزمان وأزمان
وأمطرته من التاريخ غادية
فاشتد أصلا وماست منه أغصان
أتيت أحمله حرفا تسطره
مشاعر وأحاسيس ووجدان
وجئت يحملني عبر المدى قبس
معطَّرٌ بالشذى الفواح فتان
على جناحين ميمونين حفهما
من مهبط الوحي والتنزيل إيمان
ومن عشيَّات نجدٍ مستطاب
صبا رياه شِيحٌ وقيصوم وريحان
أتيت من وطني شوقا إلى وطني
وأرض يعرب لي دُور وأوطان
وانشق من كبد الصحراء فارسُها
يحدو فتنقاد أبطال وفرسان
ويرفع الراية الخضرا موحِّدة
فتستجيب ربى عطشى ووديان
وتنتشي طربا نجدٌ معانقة
للساحلين وتبدي الحب نجران
مرابع رحبات المسجدين لها
تاج تتيه به فخرا وعنوان
دمشق يا ألق التاريخ ها أنذا
قدمت إذ لوَّحت لي منك أردان
قدمت ألثم مجدا شاده نُجُبٌ
بهم تشرَّفَ مروان وسفيان
أنت الحضارة إشعاعا ومنطلقا
وأنت منبتُ أمجاد وبستان
وأنت يا قلعة الأحرار أغنية
في ميسلون لها وقع وألحان
ومن القصائد الرائعة قصيدة كتبها الدكتور عبد الله بعد عودته، من دراسته في اسكتلندا، إلى بلدته عنيزة سنة 1972 وهي بعنوان «عودة الغائب» وقد جعل منها عنوانا لأحد دواوينه وفيها يقول:
طربت. ما ذا على المشتاق أن طربا
لما دنت لحظات نحوهنَّ صبا؟
أرست على مدرج الأمجاد طائرتي
وموعدي مع أحلامي قد اقتربا
حيث التي أسرت قلبي تعانقني
وتمسح الهم عن عينيَّ والتعبا
كم قد مكثت بعيدا عن مفاتنها
أغالب السهد في سكتلند مغتربا
وكم بعثت أناشيدي لأخبرها
أني على العهد طال الوقت أم قربا
لواعج الشوق كم كانت تؤرقني
وكامن الوجد كم أذكى دمي لهبا
من كان مثلي بالفيحا تعلقه
فلا غرابة إن عانى ولا عجبا
أحلى العرائس ما من عاشق
لمحت عيناه فتنتها إلى لها خطبا
تنام ما بين جال كله شمم
وبين كثبان رمل كلهن إبا
وإن تأملت أزياء تتيه بها
رأيت من بينها الَبرْحيَّ والعنبا
حبيبتي أنت يا فيحاء ملهمتي
ما خطه قلمي شعرا وما كتبا
رجعت من غربتي كي أستريح
على رُبا لدى قلبي المُضنى أعزُ رُبا
هنا سمعت أهازيجا مرتلة
وعشت أيام أشواق وعهد صبا
تعيد لي صورة الهفوف كاملة
الناس، والشارع المسقوف، والعتبا
وصورتي كل يوم حاملا بيدي
إلى العزيزية الكراس والكتبا
ومعهدا كان لي فيه سنا أمل
وإخوة جمعوا الأخلاق والأدبا
غابوا كما غبت، عن أركان مسرحه
ومزقتهم ظروف دبّرت إربا
فواحد ضاع في أعماق وحدته
وآخر عن قوافي شعره رغبا
وثالث حزَّ في نفسي تغيبه
وإن يكن لذرا الأمجاد قد طلبا
ما زلت مثل كثير من أحبته
ليوم عودته المأمول مرتقبا.
وفي ديوان (لا تسلني) تطالعنا قصيدة عاطفية آسرة نظمها الشاعر فيما يبدو في مدينة إدنبرة، وقد يكون نظمها في المملكة لكن المحرِّضَ على نظمها كان تمثالا من الحسن رآه الشاعر في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة إدنبرة. وللقصيدة روايتان رواية أولى شفهية يحفظها بعض أصدقائه، ورواية أخرى منقحة ومنشورة تأثر فيها بطريقة زهير بن أبي سلمى في التنقيح والتثقيف. والرواية الشفهية أصدق عاطفة، وسألتزم هنا بما في الرواية المنقحة لأنها هي الرواية الرسمية.
عنوان القصيدة: (لا الشوق خف) وفيها يقول: لا فُضَّ فوه:
لا الشوق خف ولا القلبُ الجريحُ
سلا عمَّن تجسد فيها الفنٌ واكتملا
تلك التي سحرها الفتانُ أدهشه
وبث في قدميه العجز والشللا
هيفاء تقتل إن ماست وإن لعبت
رياضة جعلت مَنْ حولها ثمِلا
ألهت متيَّمَ بحثٍ عن دراسته
وبدًّلت رغبةً في نفسه مللا
حتى غدا باحثا عما يقربه
منها ويختلق الأعذارَ والسُّبلا
يؤمها كل سبتٍ كي يلاعَبها
ما غرًّها مرة سهوا ولا كسَلا
وما عهدناه ممَّن همه كرةٌ
ولا تدرب «بالفوتبول» أو عملا.
لكن من أوقعته في حبائلها
قد أوجدت منه في ميدانها بطلا
ولا يلام محبُ في تصرفه
من يقرأ الأدبَ الماضي يجد مثلا
ما من فتى غرقت في الحب مهجته
إلا أطاع لأمر الحب وامتثلا
وزهرة الروض كم أغرى تفتحها
طرفا فما صدَّ عن رؤياه أو غفلا
ما زال يذكرُ إذ حيته أنَّ هوى
من سحرها لامس الوجدانَ فاشتعلا
وراح يسأل عنها الخِلًّ فارتسمت
على محياه روحُ الحب قلت: «هلا»
كلا الضريرين أردته مفاتنها
فتاه في حسنها الجذابِ وانشغلا
كلا الضريرين لا حظٌ يساعده
ولا فؤادٌ عن الجنس اللطيف سلا.
ولا يتسع الوقت المحدد لهذه الورقة لإيراد نماذج إضافية من شعره ولكن لا يفوتني أن أشير إلى أن الدكتور عبد الله، بوصفه شاعرا، قد قدم أمسياتٍ شعريةٍ، أو شارك فيها وذلك في داخل المملكة وفي خارجها.
كما أن شعره قد ظفر بعناية كثير من الدارسين. ومًّمن كتب عنه دراسات جادة الأستاذ الدكتور أحمد مطلوب الذي ألف عنه كتابا مطولا عنوانه: عرار نجد، قراءة في شعر عبد الله العثيمين، وقد اشتمل الكتاب على قصائد نادرة لم تنشر في غيره من الكتب أو الدواوين، وقد صدر الكتاب عن المجمع العلمي العراقي..
كما أن ممن كتب عن شعره: الزينو السلوم من حلب فقد خصص الفصل الحادي عشر من كتابه (شعراء تحت الضوء) للحديث عن شعر الدكتور عبد الله. وهناك دراسات أخرى غير ما أوردته.
***
(كلمة ألقيت في منتدى الدكتور عمر بامحسون الذي كرَّمَ فيه الأستاذ الدكتور عبد الله العثيمين، وقد أقيم الاحتفال في قاعة مكارم بفندق ماريوت بالرياض بتاريخ 1 رجب 1434هـ الموافق11 مايو2013م.