الحزنُ طمأنينةٌ، والفرحةُ قلَق!
وعلى هذا مضت بكَ السنونُ، وأنتَ ممتلئٌ بالرِّضا عن ذاتك، في صحبةٍ يسودها الاطمئنانُ الذي لم تداهمه سكراتُ القلق إلا مرّاتٍ عشوائية لا يحتسبها الزمانُ في موازين العمر الذي ستُسألُ عنه يوماً.. فهل أعددتَ جواباً غير الصمت؟
كنتَ تسيرُ في غاباتٍ من الغربة والاصفرار، مستوطناً بعض أشجارها العارية من كل اخضرار، ولا تزال تردد في استراحةٍ تحسبها بياضاً:
(كنتُ أبحثُ عن شجرٍ يابسٍ
كي يكونَ دليلاً
إلى أنَّ أهلاً أتوا في غيابِ المطرْ
كنتُ أبحثُ عن خاتمٍ للسفرْ..)
وحين ينتابكَ العطشُ، ويصلُ بكَ التيهُ إلى جدارٍ تتحطم فيه كلُّ رصاصاتك الطائشة، تتلفت حولكَ في اقتناعٍ بأنَّ أحداً من المراهنين عليكَ لم ينتبه لخيباتكَ المتواليةِ التي تعزوها أبداً إلى طبيعة الأشياء:
(أشجارُ هذا الحزنِ ماءْ
والماءُ مرآةٌ لنا..
والماءُ سورٌ حولنا..
والماءُ جسرٌ، إنما
كم ذا سيفصلُ بيننا..؟
كم ذا سيبقى الماءُ ماءْ..؟!)
هي لمحةٌ أولى نحو العثرات الأولى، جاءت - كفلاش باك - حين حاولتُ الاستجابة لطلبٍ من صديقٍ يعدُّ عملاً توثيقياً يتطلَّبُ شهاداتٍ من أمثالي عن الخطوات التي وصلت بهم إلى مفرق الشِعر في ورطة الحياة.. فغصصتُ بها، ولم أستطع. فهي دوّامةٌ إن لفَّت بي جعلتني خارجَ حدودِ التوازن الذي أردته ملاذاً أتلقفه مع كلِّ انحدارٍ يأخذني ما بين الغيبوبة والوعي، مستسلماً لطمأنينةٍ تنأى بي عن كلِّ قلقٍ أسعى في عبثٍ إليه..
(وهي الدوائرُ، مثل عادتها تدورُ
تمدُّ في طرقاتِ صمتكَ حِبرَها
فتقومُ فيكَ رغائبُ الدنيا.. فتأمُلُ
أن تبايعكَ النسورُ
وأن تقومَ، على المسافةِ، بين قلبكَ والجدارِ
وبينَ ليلكَ والنهارِ
تقومُ، يتبعكَ النداءُ: تروحُ في أسفٍ وتأتي
هل ستبكي؟
هل سيبكيكَ الزمانُ وأنتَ مختلِفٌ عليهِ؟
تقولُ: فارقني البكاءُ
تقولُ: فارقني الزمانُ
تقولُ: فارقني الذي عوَّدْتهُ قتلَ الحياةِ،
على يديَّ،
وكنتُ أحلُمُ أن أموتَ على يديهْ..).
تقولُ بعضَ ذلكَ، متنحياً عن مكانكَ لمن تأتي به الريحُ، وتجدد اعتذاراتكَ لكلِّ مُحبطٍ فيكَ عن كلِّ طموحٍ تتمادى به الروح..
* المقاطع المقوّسة من دواوين: آتٍ من الوادي، حوار الليل ونجمة الصبح، قصيدة الأفراد.
ffnff69@hotmail.com
- الرياض