هناك فئة من الشباب يدور لديهم عددٌ من التساؤلات التي لا تنفك تراود أذهانهم حول الذات والآخر، الفلسفة والإيمان، النقل والعقل، الأصالة والمعاصرة، العقيدة والتراث.. زخم تساؤلي متدفق حينما يفتقد آليات الترشيد سيترك آثاراً مدمرة تربك الذهنية وتفقد الوعي التوازن المطلوب.
تلك التساؤلات لدى البعض باتت أكثر إلحاحاً من أي قت مضى، وخصوصاً في ظل ما نعيشه من هذا الانفتاح الأفقي المعرفي غير المسبوق والذي فرض ألواناً من أنماط الحراك التساؤلي المختلف.
ليس من اللائق التعاطي مع تلك التساؤلات باعتبارها مرحلة مراهقة فكرية سرعان ما تشق طريقها نحو الزوال والاضمحلال، أو مجرد استفهامات وقتية عابرة لا تلبث أن تتلاشى.
إذ تجاهل أسئلة من ذلك القبيل وإدارة الظهر لذويها كفيل برفع وتيرة التشبث بها وجعلها دفينة الذاكرة لا تبرحها بحال من الأحوال.
إن ثمة ذهنيات أعيتها الشبهات، وثمة قناعات بحاجة مُلحة إلى التفكيك وثمة رؤى تحتاج إلى قدر من البسط للتمحيص والتشريح واستخلاص الحقيقة المطاردة.. والشباب من أكبر الشرائح الحيوية المكونة لهذا النسيج الاجتماعي، وهم بحاجة إلى الحوار والإقناع لا إلى العنف والإخضاع، فالحجة تجابه بالحجة والفكرة تقارع بمثيلتها والقسر والقمع والإكراه ليس ترياقاً للداء بقدر ما هو أرض خصبة لشيوع الفكر النشاز وتموضع تمظهراته على أوسع نطاق متاح.
في زمن مضى كانت الأسئلة ذات أبعاد فقهية وملامح اجتماعية في غاية المحدودية.. أما الآن فقد سلكت مساراً مغايراً فباتَ البسيط أكثر تعقيداً سواء في المحتوى أو في آلية الطرح.. الأسئلة الآن باتت ذات ملامح عقائدية كبرى واستفهامات محمَّلة بالمعنى ونقيضه.. إنها تبحث عن مسوغات عقلانية وتحليلات منطقية للأحكام، وحس المقارنة أضحى أكثر حضوراً، فالشاب يُقارن في وعيه بين ما تشرَّبه من ثقافات منذ تدرج في مدارج الوعي وبين ما يتلقاه من منظومات قيمية وافدة تملك قدراً من الجاذبية اللافتة والقدرة على الاستقطاب.
أمام هذا الفكر الوافد وأمام جحافل العولمة الزاحفة لا مناص من استيعاب هذا الجيل الصاعد وتحريره من آساره وتوجيه بوصلته الذهنية، وهذا يتعذر من غير فهم طريقة تفكيره ودفعه باتجاه البوح حتى عن شطحاته الاستفهامية والإعراب عن كثير مما يختلج في صدره مما يتصل بالفكر والفلسفة الوجودية وطالما أنه جاد وباحث عن الحقيقة ويروم التعلق بحبل النجاة فما الضير في الإنصات له وتفهم طبيعة ما يستوطن جغرافيته الفكرية؟!
ما تبدو لك حقيقة قد لا تبدو لغيرك كذلك والبديهي في نظرك قد يتوارى عن غيرك ويعزب عن وعيه والشاب حينما لا يظفر بمن يشبع نهمه البحثي وحينما يخشى المكاشفة، إما تحاشياً للملاحقة القانونية أو تفادياً لمتتاليات التأنيب الجمعي سيصير حينئذ إلى جهده الذاتي فيجوب خلال الديار العنكبوتية يخوض في دهاليزها ويتيه في سراديبها حتى تتخطفه الشبهات ويقع في المزيد من الحيرة التي تربك الخارطة الفكرية وتحيد بها عن المسار الصحيح.
Abdalla_2015@hotmail.com
- بريدة