ارتبط اسم الشيخ جميل الحجيلان بأولويات يندر تكرارها، فهو أول من درس الحقوق من طلاب المملكة في مصر -حسب معلوماتي- وهو أول سفير عربي لدى دولة الكويت، وأول وزير للإعلام في المملكة، وأول من أدخل صوت المرأة والأغنيات والدراما في الإذاعة السعودية، وأول سفير عربي بل ربما الوحيد الذي أقام له الرئيس الفرنسي مأدبة في الأليزية لوداعه بمناسبة انتهاء فترة عمله سفيراً للمملكة في فرنسا، وصاحب فكرة التوقيت الزوالي في المملكة، وليست هذه هي التي أكسبته المكانة والشهرة التي يتمتع بها معاليه، بل شخصيته وتكوينه الاجتماعي والثقافي والسياسي أهلته لأن يكون الورقة الرابحة في اختياره أميناً عاماً لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد نهاية فترة معالي الأستاذ عبدالله بشارة أول أمين عام للمجلس، فلم يكن من بين كل الأسماء المرشحة من دول المجلس ند للشيخ جميل الحجيلان.
تشرفت بلقاء معاليه خمس مرات عندما وافق مشكوراً على إجراء حوار تلفزيوني معه في شبكة راديو وتلفزيون العرب في برنامج مشوار، وآخر لبرنامج أبناء أو جيل التوحيد، الأمر الذي استدعى أن أجري عدة اتصالات مع شخصيات تعرف الشيخ جميل كي يزودوني بمعلومات غير معروفة للجميع أستطيع من خلالها أن أثري لقائي التلفزيوني معه خاصة وأنه قد أجرت معه قنوات تلفزيونية عالمية أكثر من ستين لقاء على الهواء مباشرة أثناء فترة غزو العراق للكويت، قال لي عنها إنه لم يرجع في أي لقاء منها للقيادة في المملكة لأنه يعرف بلاده ويعرف سياستها، وقد سبق تصوير حواري، الأول لقاءان: الأول في مكتبه بالأمانة العامة للتعرف عليه وجهاً لوجه دون الخوض في موضوع الحوار، والثاني في منزله للحديث عن الحوار وتحديد نقاطه، فقلد كانت شخصية الشيخ جميل بالنسبة لي مخيفة وذلك ربما يعود لسببين، الأول إصابة مجموعة من الأطفال -كنت أحدهم- برعب شديد سببه مسؤولو الأمن في مستشفى الملك فيصل بالطائف عندما كان معاليه وزيراً للصحة، فقد كنا نلهو ونلعب بمستحدثات الحياة في المملكة حيث يتوفر مصعد أو أكثر في المستشفى فنذهبنا يومياً للصعود والهبوط بالمصعد داخل المستشفى، وفي أحد الأيام ضبطنا من قبل مسؤولي الأمن في المستشفى لأن الوزير الشيخ جميل الحجيلان يتفقد المستشفى، وفي ذلك الزمان كانت كلمة مدرس ترعبنا فكيف بوزير، ولا أجد مجالاً هنا لإكمال القصة.
السبب الثاني أنني استضفت الأستاذ عزيز ضياء -يرحمه الله- في برنامج رسالة على الهواء فاختار الشيخ جميل ووجّه له رسالة يجب عليّ أن أحصل على إجابة منه عليها عندما كان سفيراً في فرنسا، ولقد سهل عليّ الأستاذ عزيز المهمة عندما أخبرني أن الشيخ جميل في جدة ويسكن في فندق حياة ريجينسي، غير أني تباطأت في الاتصال بمعاليه فغضب وسافر دون إجابة على رسالة الأستاذ عزيز الذي بدوره غضب ونشر رسالته في مجلة اقرأ وأجاب عليها الشيخ جميل.
يعتبر لقائي التلفزيوني - الأول والثاني - بمعالي الشيخ جميل على المستوى الشخصي والإعلامي ناجحين جداً، فلقد تعرفت على شخصية وقورة مثقفة حازمة واعية، وعرفت المشاهد العربي ببعض جهود إعلامي وسياسي مميز من جيل الفترة الحرجة في حياة المملكة والعالم العربي بل وربما هي أيضا فترة الوعي الذي لم يكتمل بنتاج، كان ذلك الجيل يأمل أن ننعم به اليوم في كل عالمنا العربي.
لم يكن إظهار صوت أخته نجدية الحجيلان (سلوى إبراهيم) في الإذاعة السعودية مجرد أول صوت نسائي، ولم يكن إدراجه للأغنيات والدراما في الإذاعة السعودية، ولا عرض أغنيات أم كلثوم في التلفزيون مجرد قرار وزير بل هو معركة يقاتل فيها لوحده السواد الأعظم من مواطني المملكة.
كم يؤسفني أن الشيخ جميل لم يكتب سيرته الذاتية بأي شكل من الأشكال، حتى وإن كان على طريقة معالي الدكتور غازي القصيبي عندما كتب عن حياته في الإدارة، فحياة الشيخ جميل غنية بتجارب كثيرة في العمل الدبلوماسي والسياسي والإعلامي فضلاً عن ثقافته الشخصية التي انفتحت مبكراً على عالم ندر أن يتعرف عليه أبناء جيله في ذلك الوقت، فهو ابن أسرة تنتمي إلى ما عرف بالعقيلات الذين جابوا الأرض العربية طلباً للرزق وتعرفوا خلال رحلاتهم على أنماط الحياة في تلك البلدان، كما أن الظروف السياسية التي عاشها في فترة عمله وزيراً في عهد الملك فيصل يرحمه الله وسفيراً لمدة عشرين عاماً في باريس.. كل ذلك كفيلٌ بإخراج سيرة لا بد أن تكون استفادة القارئ منها كبيرة.