بدايات المسرح السعودي: لعبد الرحمن بن عبد الله المقرن (بحث مخطوط)
كتب عبد الرحمن المقرن دراسته هذه في العام 1988/ 1989م كبحث تخرج من قسم النقد وأدب المسرح في المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة وتكمن أهمية هذا البحث الذي أشرف عليه الدكتور رشاد رشدي -على الرغم من الاضطراب التاريخي والمعلوماتي الذي يعاني منه - في أنه كان مصدراً رئيسياً للعديد من الدراسات والكتب التي تلته في الصدور واقتفت أثره في الأخطاء التاريخية. التي سنناقشها ونصححها قدر الإمكان لاحقاً، وفي مقدمة الدراسة يقول عبد الرحمن المقر عن دوافعه لإجراء هذا البحث (لعل ما دفعني لاختيار هذا الموضوع هو كوني أول مبعوث سعودي لدراسة المسرح في المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة، وطلب مني المعهد أن تكون رسالة تخرجي منه عن بدايات المسرح السعودي ورغم صعوبة الموضوع وإن بدا سهلاً في أعين بعض الناس إلا أني آثرت بهذا أن أضع لبنة صغيرة في صرح المسرح السعودي المأمول لعل وعسى أن يجد من يتبعني في هذا الطريق وبعض من معالم تيسر له السبيل وتنير له الدرب).
بعد ذلك يبدأ الباحث فصول بحثه بعنوان فرعي: مرحلة البدايات مستهلها في طرح سؤال هل كان سوق عكاظ بداية مسرحية للمسرح في الجزيرة العربية، وقبل أن يجيب عن سؤاله يلقي الضوء على سوق عكاظ ماهية وظيفته وما الهدف منه، لكنه لم يستطع أن يقدم رابطاً مباشراً بين بدايات المسرح السعودي وسوق عكاظ ولم يزد عن ما سبق أن قدم في بعض الدراسات العربية عن سوق عكاظ كونه أحد الظواهر المسرحية والتمثيلية في الثقافة العربية. ثم ينتقل المقرن مباشرة إلى عبد العزيز الهزاع وبداياته التمثيلية محدداً ظهوره بعام 1952م مقدماً تعريفاً تفصيلياً لسيرة الفنان الهزاع، كونه أحد المقربين له فنياً حيث أخرج المقرن له العديد من الأعمال الإذاعية ثم يقدم قراءة للتمثيلية لتمثيلية بدوي في طيارة وهي التمثيلية الأشهر للهزاع والتي حقق من خلالها شهرة واسعة النطاق ليس على مستوى المملكة بل على مستوى العالم العربي أجمع.
ينتقل المقرن إلى محطة ثالثة من محطات البدايات للمسرح السعودي وهي : مسرح عكاظ والذي أنشأه الأستاذ أحمد السباعي ويحدد تاريخاً لذلك بعام 1966م. وهذه المعلومة التاريخية التي يذكرها عبد الرحمن المقرن تخالف جميع المراجع التي تناولت محاولة أحمد السباعي حيث إنه أسماه : (دار قريش للمسرح الإسلامي) وليس مسرح عكاظ كما ذكر، بالإضافة إلى أن التاريخ الثابت هو عام 1381 هـ / 1961م وليس 1966م كما يورد المقرن.. ثم يحاول الباحث أن يستنبط أسباب إيقاف مسرح السباعي قبل أن يعرض أولى مسرحياته فيفندها من وجهة نظره بالآتي:
1 – اختيار مكة المكرمة لم يكن موفقاً لمكانتها وجلالها وقدسيتها الإسلامية ولعل المعارضة دينية كانت أكثر منها سياسية.. لكننا لابد أن نشير إلى أن المسرح عرف في مكة بشكل رسمي قبل ذلك التاريخ بما يزيد عن خمسة وعشرين عاماً من خلال المسرح المدرسي ومسرح لجنة المسامرات الشهيرة التي تشكل اتحاداً بين اللجان الثقافية في المعهد العلمي السعودي ومدرسة تحضير البعثات، مع الإشارة إلى أن المعهد العلمي السعودي هو مدرسة تابعة للمؤسسة الدينية ولم يجد المسرح فيه أي معارضة تمنع تقديمه، بيد أني أنا أعتقد أن المعارضة الدينية لم تكن على المسرح بقدر ما كانت على شخص أحمد السباعي وهو أحد الرواد التنويريين الذين كانت لهم جهود طليعية قد لا ترضي المحافظين ونستدل على ذلك بمقال كتبه شكيب الأموي يصف فيه مناسبة اجتماعية حضرها كثير من المثقفين والوجهاء ومن ضمنهم أحمد السباعي الذي وصفه بـ(المتحرر)..، أيضاً من الأسباب التي يوردها المقرن قوله : (كان هناك عقبة ثالثة وإن كان مسرح عكاظ قد واجه جزء منها لأنه لم يتعد مرحلة (البروفات) هذه المشكلة هي مشكلة ظهور الصحابة على خشبة المسرح.. وهل يكون بشكل روائي أم تمثيلي وإن كان في الأولى فإنه سوف يضعف المسرحية درامياً وهذا سيخلق عقبة كبرى أمام المعدين) ونختلف كثيراً مع رأي المقرن هذا حيث أن ظهور شخصيات الصحابة في المسرح كان كثيراً ما يتم على خشبة المسرح المدرسي بالمملكة قبل أن يفكر أحمد السباعي بإنشاء مسرحه بأكثر من عشر سنوات ولوكا يشكل اعتراضاً في المجتمع في ذلك الوقت لما سمح به في المسرح المدرسي.
وفي ختام هذا القسم يقرر المقرن: أن هذه التجربة التي لم تكتمل فتحت للشباب فكرة التأليف المسرحي الذي ظهرت بوادره في المنطقة الغربية ولم تظهر في المناطق الوسطى والشرقية إلا بعد ذلك، ولعل المقرن كان يقصد النشر وليس التأليف فقد يكون التأليف للعرض ولم يتسنى لمن كتبوا تلك النصوص نشرها، وقد أخطأ أيضاً من الناحية التاريخية فحسين سراج نشر أولى مسرحياته قبل محاولة السباعي بأكثر من أربعين عاماً. بالإضافة إلى عبد الله عبد الجبار وأحمد عبد الغفور عطار.
وينتقل المقرن إلى المحطة الثالثة وهي المسرح المدرسي ويقع في خطأ تاريخي جسيم أخذه عنه كثير من الدارسين والباحثين فيما بعد دون أن يمحصوا أو يدققوا في صحة المعلومة التي أوردها حيث يقرر أن بداية المسرح المدرسي كانت في عام 1954م بينما استطعنا أن نصل إلى تاريخ أبعد من ذلك بأكثر من ثلاثين عاماً في العديد من مدن المملكة التي وجد فيها التعليم النظامي بوقت مبكر كعنيزة حيث سجلت أقدم تمثيلية مدرسية يصل إلينا ذكرها حتى الآن في عام 1348هـ، ومكة المكرمة وجدة والرياض والأحساء.. الخ. ويستطرد المقرن متطرقاً للمسرح الجامعي فيقول : (ثم جاءت الجامعات بعد ذلك وقدمت بعض المسرحيات وعلى رأسها كلية التجارة بجامعة الرياض... إلا أنه لا يقدم شواهد لتلك المسرحيات أو أي تاريخ يعتمد عليه.
ثم ينتقل عبد الرحمن المقرن إلى المؤثرات الأخرى التي أثرت في ظهور المسرح السعودي ويخص بذلك الإذاعة السعودية وما كانت تقدمه من تمثيليات و مسلسلات إذاعية (واسكتشات) خفيفة تقد من خلال مسرح الإذاعة، وكذلك التلفزيون وما قدم عبره من مسلسلات وتمثيليات وأعمال درامية قصيرة للطفل بيد أنه لم يذكر أي شيء عن المسرحيات التلفزيونية التي أنتجها التلفزيون في ذلك الوقت، في حين تطرق إلى تأثير المسرحيات الكويتية التي عرضت على شاشة التلفزيون السعودي.
وتحت عنوان الثمرة الأولى 1973م [مسرحية طبيب بالمشعاب]. ويقرر عبد الرحمن المقرن:( أن هذه المسرحية هي أول مسرحية سعودية تعرض على الجمهور السعودي فقد قام التلفزيون السعودي بإنتاجها والصرف عليها وبعد ذلك أذاعها من خلال الشاشة لتصل إلى المشاهدين الذين لم يحضروا العرض في منازلهم.. علماً بأن العناصر المشتركة في هذه المسرحية عناصر سعودية خالصة).
والحقيقة أنه من العنوان يقع في خطأ تاريخي اقتفى أثره كثير من الباحثين والخطأ هو أن المسرحية عرضت في عام 1974م وليس كما قال في 1973م وبالتحديد في 2 / 5 / 1394هـ الموافق 23/ 5 / 1974م. كذلك يقرر أنها أول مسرحية سعودية تعرض للجمهور السعودي.. وهذا خطأ تاريخي أيضاً فعروض جمعية الفنون بالأحساء سبقت هذه المسرحية بأكثر من عامين بالإضافة إلى العروض المسرحية التي كانت تقدمها بعض الأندية في مختلف مناطق المملكة.ولو أنه قال: (إن هذه المسرحية هي أول مسرحية سعودية تعرض على الجمهور من إنتاج التلفزيون السعودي) لكان أكثر دقة لأنها حقيقة حيث إن التلفزيون السعودي (تلفزيون الرياض) كان قبل هذه المسرحية ينتج مسرحيات مسجلة في (استوديوهات) التلفزيون دون أن يحضرها الجمهور..
بعد ذلك يقدم المقرن قراءة لمسرحية طبيب بالمشعاب يختمها بأثر هذه المسرحية على المشاركين فيها كأحمد الهذيل ومحمد الطويان وعبد الرحمن المقرن الذين ذهبوا في بعثات خارجية لدراسة المسرح. أيضا يقدم قراءة نقدية للمسرحية الاجتماعية آخر المشوار وهي من تأليف عبد الرحمن الشاعر وإعداد سعد خضر سعدون وإخراج محمد فهد الشمري ويورد أيضاً نماذج مما كتب عنها مقالات في الصحافة السعودية. أيضاً يقدم المقرن نموذجاً ثالثاً من المسرح السعودي ألا وهو مسرحية قطار الحظ والتي أنتجتها جمعية الثقافة والفنون بالرياض عام 1399هـ وهي من تأليف إبراهيم الحمدان وإخراج سمعان العاني مستشهداً بنماذج مما كتب عنها في الصحافة السعودية وعلى وجه الخصوص المقالة النقدية التي كتبها الناقد العربي شكري عياد وقبل الختام يقدم الباحث عنواناً مهماً هو: عقبات أمام المسرح السعودي يذكر منها:
1) قلة الكوادر المدربة في مجالات المسرح كالديكور والماكياج والموسيقى وغيرها من فنون يتطلبها العرض المسرحي.
2) نظرة بعض أفراد المجتمع المستريبة من المسرح مما يؤثر على علاقة العاملين فيه بالمجتمع بشكل عام.
3) استحالة ظهور العنصر النسائي مع الرجل على خشبة المسرح.
وتحت عنوان: خاتمة يقدم عبد الرحمن المقرن نبذة عن جمعية الثقافة والفنون تأسيسها وأهدافا ولجانها وسرد لأنشطتها، وقد أخطأ الباحث (وقد يكون ذلك خطأ مطبعيا في النسخة المخطوطة التي بين يدينا) في تحديد تأسيس الجمعية بالرياض حيث ذكر أنه في عام 1392هـ والصحيح أنها في عام 1393هـ.
كذلك وقع المقرن في خطأ منهجي لا أدري كيف مر على الأستاذ المشرف عليه (الدكتور رشاد رشدي) وهو أن جعل خاتمة البحث عن جمعية الثقافة والفنون والأحرى أن يجعل ذلك فصلاً مستقلاً في البحث ويجعل الخاتمة لاستنتاجاته التي خلص بها من خلال دراسته وتوصياته العلمية والفنية.
وفي الختام فإن دراسة عبد الرحمن المقرن (المخطوطة) وإن كانت لم تنشر فقد كانت هي المصدر الذي اعتمد عليه كثير من الباحثين ونقلوا منه بأخطائه التاريخية دون أن يمحصوها أو يدققوها. فإن كان الأستاذ عبد الرحمن المقرن قد و قع في بعض الأخطاء في بحثه فإن اللوم يقع أكثر على من جاء بعده ونقل هذه الأخطاء دون أن يكلف نفسه بالعمل على تصحيحها أو معالجة اللبس الذي يعتريها.
- الرياض